في الثاني من أغسطس 2025، أصدرت مجموعة هائل سعيد أنعم وشركاه بيانًا توضيحيًا للرأي العام بشأن موقفها من التطورات الاقتصادية الأخيرة، وخاصة ما يتعلق بالإجراءات الحكومية والبنكية المتخذة في العاصمة عدن لضبط أسعار المواد الغذائية والأساسية، في ظل تثبيت سعر صرف العملة.
البيان حمل نبرة متزنة ولغة مسؤولة، تُقر بمتابعة المجموعة لما يجري، وتؤكد على التزامها بإعادة تسعير منتجاتها بما يحقق مصلحة المستهلك ويحافظ على استقرار السوق. كما أشار إلى أن فرض أسعار غير واقعية دون احتساب تكاليف الاستيراد والتزامات العملة الصعبة قد يهدد استمرارية التوريد، وأن تحقيق الاستقرار يتطلب شراكة بين القطاع الخاص والحكومة، مع ضرورة دعم البنك المركزي لتوفير العملة الأجنبية.
غير أن البيان، رغم إيجابيته، غاب عنه تحديد دقيق للمسؤوليات في السوق المحلي، خاصة في عدن. فالمجموعة، بوصفها من أكبر التكتلات الاقتصادية في اليمن، تمتلك شبكة توزيع واسعة، تمر من خلالها السلع عبر عدة مستويات من الوكلاء. وهنا تبرز إشكالية مركزية: هل إعادة التسعير تتم فقط عند المصدر، أم أن السعر الحقيقي يُفرض من خلال تسلسل التوزيع، ويخضع لمنظومة "الوكيل عن الوكيل"؟
ما يهم المواطن في نهاية المطاف هو السعر الذي يدفعه في البقالة أو السوق، لا ما يُكتب في البيان أو يُعلن في المكاتب. وهنا نجد أن المواطن في عدن، رغم الحديث عن تخفيضات وتثبيت للعملة، لا يلمس فرقًا حقيقيًا، لأن الأسعار ما زالت تُحدد من قِبل حلقات وسيطة، بعضها غير خاضع للرقابة، وبعضها الآخر يتحرك وفق مصالحه الخاصة.
إن تحميل مسؤولية الأزمة فقط على عاتق البنك المركزي أو الدولة فيه شيء من التبسيط المخل. كما أن توجيه الجهد الرقابي نحو المحلات الصغيرة دون معالجة منظومة التسعير الكبرى لا يُفضي إلى أي تغيير ملموس. المطلوب اليوم هو مراجعة شاملة لعقود الوكالات التجارية، وتحديد سقف ربح واضح، وإخضاع سلاسل التوزيع للرقابة المالية والإدارية، والتعامل مع الأسواق كمنظومة مترابطة، لا كجزر متفرقة.
حديث مجموعة هائل عن "حلول شاملة" يمكن أن يكون مدخلًا جيدًا لحوار جاد ومسؤول، لكنه يظل ناقصًا إن لم يترافق مع شفافية فعلية، و إفصاح عن بنود التسعير، و هوامش الربح، و مسارات التوزيع، و التزام واضح بوضع المواطن في مركز الأولويات، لا على هامشها.
عدن اليوم بحاجة إلى عدالة اقتصادية حقيقية، تبدأ من رأس السوق، لا من ذيله. فالشجاعة لا تكمن في البيانات وحدها، بل في كسر حلقة الاحتكار، وتوطين القرار الاقتصادي، وتثبيت السوق على أساس من الرقابة والعدالة.