بمناسبة العيد الـ 71 لتأسيس إذاعة عدن، يُسعدني اليوم أن أشارك معكم ما كتبه الإعلامي والمعلق الرياضي الرائد جعفر مرشد قبل 60 عامًا، تحت عنوان "أنا والإذاعة"، حيث يروي فيه بداية علاقته بهذا الصرح العريق .
يُعتبر جعفر مرشد أول معلق رياضي وإعلامي في عدن، وقد ارتبط اسمه ببدايات إذاعة عدن، حيث أعد وقدم برنامجًا رياضيًا مميزًا هو "ركن الرياضة"، والذي يُعد ثاني برنامج رياضي يُبث عبر إذاعة عدن بعد إذاعة القاهرة، ما يعكس ريادة عدن الإعلامية في تلك المرحلة.
لم يكن مرشد مجرد معلق رياضي، بل كان شخصية متعددة المواهب؛ فهو أيضًا مصور فوتوغرافي موهوب، ولاعب كرة قدم سابق ، وملتقى للفنانين الكبار ، من أبرزهم الفنان أحمد قاسم والفنان محمد سعد عبدالله. وقد احتفظ بأرشيف نادر وثري من الصور والتسجيلات الصوتية لجلسات فنية خاصة لهؤلاء الفنانين، توثق زمنًا جميلاً من تاريخ عدن الفني والثقافي.
إن ما قدمه جعفر مرشد يمثل حجر أساس في ذاكرة الإعلام الرياضي والفني في عدن، ويستحق أن يُحتفى به في ذكرى إذاعة كانت صوتاً عريقاً في سماء الإعلام العربي .
ـــــــــــــــــــــ
أنا والإذاعة
بقلم جعفر مرشد
بدأت الاذاعة ارسالها في عام 1954م ، وكان الاستاذ حسين الصافي أول من تولى مهمة التعليق على المباريات وكان وقتها يعمل في حقل التدريس . ثم عين بعد ذلك مذيعا رسميا في الإذاعة وأسندت مهمة التعليق إلى شخص آخر كان يكتب التعليقات وتقرأ نيابة عنه .
وذات يوم استمعت الى ضابط الاذاعة آنذاك توفيق ايراني يقرأ تعليقاً على احدى المباريات .. وكان التعليق بعيدا كل البعد عن ما شاهدته في الملعب. قال في التعليق أن الجمهور استمتع بالمباراة وشاهدها حتى آخر دقيقة لها والحقيقة هي العكس فقد غادر معظم المتفرجين الملعب بسبب تعدد الاهداف وهبوط مستوى الفريقين وفي ذلك الوقت كنت اعمل في تحرير صحيفة «البعث» فكتبت تعليقا حول ما سمعت من السيد ايراني فانزعج كثيرا وطلب مقابلتي ولكنني رفضت مقابلته وقلت له في امكانك ان تكتب تعقيباً على تعليقي وسوف انشره فلم يفعل .
بعد عام من بداية الإرسال الإذاعي .. التقيت بالأستاذ حسين الصافي بالقرب من دار صحيفة فتاة الجزيرة فحييته بتحية تلميذ لأستاذه ودار بيننا حديث عن الرياضة أو التعليقات الرياضية وإذا به طلب مني المجيء الى الاذاعة للتشاور مع السيد توفيق ايراني - ضابط الاذاعة آنذاك لأخذ مسئولية التعليقات الرياضية في الاذاعة ، فذهبت إلى الاذاعة وتم الاتفاق بيني وبين الإيراني والصافي لم يكن هناك في ذلك الوقت برنامجا خاصا بالرياضة فكنت احضر المباراة واتوجه راسا بالتاكسي - الى الاذاعة لأكتب التعليق ثم أسلمه لاحد المذيعين ليقرأه بعد نشرة الاخبار المسائية في الساعة السابعة ، ولم ينخرط
السلك الإذاعي سوي ثلاثة هم : حسين الصافي ، منور الحازمي ومحمد حامد عبد الغني يعملون جميعا في استديو صغير جدا بدون مكيف هواء .
من الطرائف الرياضية الإذاعية التي اذكرها .. حاجة طريفة جدا فقد كان الزميل محمد حامد عبد الغني لا يتفق منع فريق شباب القطيعي وقد تعتقد عزيزي القارئ ان الزميل يكره هذا الفريق أو يكن له حقدا ولكنه بطريقة اللاشعورية يخطئ بإذاعة اسمه كما هو ، فبدلا من أن يقول فريق القطيعي .. يقول فريق القعيطي وكنت دائما ما أضع خطاً تحت كلمة قطيعي ليلا يقلبه الى قعيطي فيقراه صحيحا مرة او مرتين في التعليق وما يلبث ان يقدم العين على الطاء .
هذه الحكاية بالذات جعلت الزميل محمد حامد يقول لي لماذا لا تقرأ تعليقاتك بنفسك ؟؟! فأجبته .. لو طلب مني ذلك لفعلت . فدخل في الحال مكتب الاستاذ احمد زوقري الذي كان يعمل مساعدا لضابط الاذاعة وقدم له اقتراحه ، فقال له الزوقري سجل له في شريط لأسمعه دخلت الاستديو لاول مرة قبل عشر سنوات فوضعت السماعة (HEAD PHONE ) وبدأت بالتسجيل وكان الحر شديدا داخل الاستديو فتضايقت من السماعة وخلعتها اثناء التسجيل ولم اكن اعرف بعد أن كل حركة صغيرة يتلقفها الميكرفون وينقلها كما هي واكثر استمع السيد الزوقري لصوتي واعجب به كما قال لي الزميل محمد حامد ، ولكن فوجئت بالزميل يقول لي ايضا : يجب ان تسد الفتحة الموجودة في اسنانك لأنها تخرج ( ازيزاً ) مع كلامك ، فذهبت لأطباء الاسنان الذين فشلوا في سد الفتحة لان سدها سيتسبب في تشويه منظر اسناني ، وقد تستغرب عزيزي القارئ اذا قلت لك بأن الأزيز قد اختفى في ثاني تجربة لصوتي بعد عام تقريبا من التجربة الاولى وربما كان الصوت الذي يصحب صوتي خلل فني كنت اضع الأوراق التي اقرأ منها في احد جوانب ، ومن يومها وانا اقرأ التعليقات الرياضية بعد الاخبار أولا ثم في برنامج لمدة خمس دقائق وتطور الى ان اصبح في ٣٠ دقيقة الميكرفون ويعود الفضل في مواصلتي دون انقطاع لتقديم البرنامج الرياضي إلى السيد حسين الصافي المراقب العام لبرامج الإذاعة والتلفزيون فقد وجهني في البداية الى الطريقة الصحيحة في التعليق كما انه رعاني كثيرا ، كما لا أنس ايضاً الزملاء منور الحازمي ومحمد حامد عبد الغني ومحمد عمر بلجون وعلوي السقاف و اشرف جرجره .. فهؤلاء جميعا قدموا لي المساعدة ما يعجز لساني عن شكرهم واخيراً ضابط الاذاعة الزميل عبد الحميد سلام الذي أصبح زميلاً رياضياً لـ يتابع كل ما يدور في الوسط الرياضي الأمر الذي افادني كثيرا في مشاكلي مع بعض المتطفلين في الاندية الرياضية الذي يريدون من برنامجي ان يتحول الى نقطة فوضى شبيهة بفوضى أنديتهم ان عبد الحميد سلام ما زلت على صلة دائمة به واعترف ان مساعدته لي تدل على روحه الطيبة و قلبه الابيض ، ولا اريد ان اشكره في هذه الاسطر فما يقدمه لي اكبر من كلمة « اشكرك » بقى ان تعرف عزيزي القارئ ان الاذاعة جعلت مني شخصا يحب جميع الفرق والاندية ولا يميل لأحد منها حتى تلك الفرق التي تربطني بلاعبيها صداقات متينة ، واعتبر مهمتي فوق مستوى الصداقة الشخصية .
جعفر مرشد
عدن / أغسطس 1965م