من بين صخور ردفان ووهج شمسها التي لا تعرف الأفول انطلقت في الرابع عشر من أكتوبر 1963م شرارة الثورة التي أعادت للجنوب وجهه الحقيقي وصاغت من الألم مجداً ومن التشرذم وحدةً وطنيةً خالدة.
كانت ثورة أكتوبر مدرسة في الإرادة إذ وحّدت بإرادة الأحرار ثلاثاً وعشرين سلطنة ومشيخة وإمارة تحت راية الجنوب الواحد في إنجازٍ تاريخي لم يكن ليولد لولا العزيمة الصلبة لشعب حر أبى أن يبقى ممزقاً في خرائط الاستعمار ومشيخاته المصطنعة.
لقد أراد المستعمر أن يجعل من الجنوب كيانات متنافرة ومناطق متناحرة لكن وعي الأحرار أقام دولة من بين الركام دولة السيادة والكرامة التي صيغ دستورها بدماء الشهداء وخُطّت ملامحها بإصرار المقاتلين والمفكرين والعمال والمزارعين وكل من آمن أن الوطن لا يُشترى والسيادة لا تُمنح والحرية لا تتجزأ.
اليوم وبعد عقود من الانكسارات والمؤامرات،ط يعود الجنوب من جديد ليكتب فصلاً آخر من فصول المجد، مجد الاستقلال الثاني الذي بات وعداً يقترب كل يوم من التحقق فالشعوب العظيمة لا تموت وتاريخ الرجال الأحرار لا يُنسى ولكنه يتجدد في كل جيل يولد على الأرض التي روتها دماء الشهداء.
إن روح أكتوبر ما زالت تنبض في قلوب الجنوبيين، روح تقول إن الكرامة ليست ذكرى ولكنها عهد يتجدد وإن الوطن لا يُدار إلا بإرادة أبنائه الأحرار.
إن الجنوب اليوم يقف أمام مفترق تاريخي تتنازع فيه المشاريع وتتكاثر محاولات الالتفاف على جوهر قضيته لكن شعبنا أدرك الدرس جيّداً وعرف أن التنازل عن شبرٍ من ترابه هو خيانة لدماء الأجداد وأن القبول بالمشاريع الانتقاصية هو سقوطٌ أخلاقي قبل أن يكون سياسياً.
ولذلك فإن العهد الذي قطعه شعب الجنوب مع ثورته الأولى يتجدد اليوم بإصرارٍ أكبر نحو الاستقلال الثاني، استقلال الإرادة والسيادة والقرار.
لقد أثبتت السنوات الأخيرة أن الجنوب لم ولن يكون تابعاً أو هامشاً في معادلات الآخرين ، هو اليوم قوة حاضرة بمشروعه وبقيادته الوطنية الرشيدة المتمثلة في المجلس الانتقالي الجنوبي بقيادة الرئيس القائد عيدروس بن قاسم الزبيدي الذي حمل راية الاستقلال بكل ثبات ومسؤولية تاريخية مؤمناً أن النضال لا يُقاس بعدد السنين بل بعمق الإيمان بعدالة القضية.
إننا في ذكرى أكتوبر لا نحتفل بحدث عابر ولكننا نُجدّد القسم على أن الجنوب لن يقبل أن يُختزل في تسوياتٍ مؤقتة أو صفقاتٍ تُدار خلف الأبواب المغلقة فنحن أبناء الأرض التي علمت التاريخ معنى الحرية وأبناء الثورة التي غيّرت وجه المنطقة، نعلنها مجدداً:
لن نقبل بأي مشروع ينتقص من سيادتنا أو يمسّ وحدتنا الوطنية بين مكونات شعبنا فالوطن أكبر من الجميع ومن لا يحمل الجنوب في قلبه لا مكان له في مستقبله.
أيها الأحرار في ميادين النضال والسياسة والإعلام تذكروا أن ثورة أكتوبر لم تُخلق لتُذكر، بل لتُستكمل وأن الاستقلال لا يورّث كالهدايا بل يُنتزع كما انتزعه آباؤنا من بين فكي الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس.
واليوم نحن على الموعد ذاته نُكمل ما بدأوه ونعاهد الله والوطن والشهداء أننا لن نلين حتى نرى علم الجنوب يرفرف خفاقاً على أرض حرة مستقلة ذات سيادة كاملة.
المجد للأبطال الذين وحدوا الجنوب من بين 23 راية والخلود للشهداء الذين خطّوا بدمائهم حدود الوطن والنصر للجنوب الذي لا يُقهر، جنوب الإرادة والسيادة، جنوب الثورة والاستقلال.
عاشت ثورة 14 أكتوبر المجيدة..
عاش الجنوب حراً سيداً مستقلاً..
وعاش شعبه العظيم مجدداً لعهد البطولة والكرامة والسيادة.