آخر تحديث :الإثنين - 22 ديسمبر 2025 - 05:52 م

كتابات


أستاذ القانون الدولي جزوليت : حذار من التسرع في إعلان الدولة قبل اكتمال شروطها !!!

الإثنين - 22 ديسمبر 2025 - 04:02 م بتوقيت عدن

أستاذ القانون الدولي جزوليت : حذار من التسرع في إعلان الدولة قبل اكتمال شروطها  !!!

د.توفيق جزوليت

الدولة لا تُعلَن بالعاطفة : الاستعجال لا يخدم قضية الجنوب التي تحتاج إلى مسار لا إلى إعلان متعجل


من يعتقد أن الإعلان عن الدولة، يمكن أن يسبق الاستعداد الشامل لبنائها على مختلف المستويات، بما يضمن استمراريتها فهو مخطئ في تقدير طبيعة التحولات السياسية وتعقيدات بناء الدول. فالتجارب الحديثة تُظهر أن الإعلان، إذا لم يُبنَ على جاهزية سياسية ومؤسسية واقتصادية وأمنية حقيقية، يتحول إلى حدث رمزي سرعان ما تصطدم نتائجه بميزان القوى والواقع الإقليمي والدولي.


فالدولة ليست بيانًا يُقرأ، ولا علمًا يُرفع، بل كيان سياسي وقانوني واقتصادي يحتاج إلى ظروف ناضجة وضمانات حقيقية ليعيش ويستمر.

إن الاستعجال في إعلان الدولة، قد يحوّل مشروع استعادة الدولة إلى عبء ثقيل على أهل الجنوب ، فإعلان دولة دون اعتراف دولي يعني عمليًا دولة معزولة، بلا قدرة على الانضمام إلى المنظمات الدولبة.


إن التجارب الدولية واضحة: الدول التي نجحت في استعادة أو تأسيس كياناتها سلكت طريق التدرج السياسي، وبنت مؤسساتها، وحشدت الاعتراف الإقليمي والدولي، ثم توّجت ذلك بإجراءات قانونية أما القفز على هذه المراحل، فغالبًا ما أدى إلى دول هشة، أو نزاعات طويلة، أو اعتراف منقوص استمر لعقود


إعلان الدولة وحده لا يصنع دولة الاعتراف الدولي، والقبول الإقليمي، والتوافق الداخلي عوامل حاسمة .كثير من الكيانات التي أعلنت الاستقلال دون هذه الشروط: عاشت عزلة طويلة أو تحولت إلى نزاعات مزمنة أو انهارت سياسيًا .على سبيل المثال و ليس الحصر أرض الصومال أعلنت استقلالها و تعيش عزلة غير مسبوقة . شمال قبرص التركية؟أعلنت الاستقلال عام 1983.معترف بها فقط من تركيا..كتالونيا (إعلان 2017) أعلن برلمان الإقليم الاستقلال عن إسبانيا.لم تعترف بها أي دولة.أُلغي الإعلان سريعًا وفشل سياسيًا.

إقليم بيافرا (نيجيريا سابقًا)أعلن الاستقلال عام 1967.لم يحظَ باعتراف دولي كافٍ. انتهى بمحاولة فاشلة وحرب مدمّرة.


لا يعني هذا التخلي عن حق الجنوب في استعادة دولته بل يعني حمايته من الفشل. فالقضية العادلة لا تُقاس بسرعة الإعلان عنها، بل بقدرتها على الصمود وتحقيق مصالح شعبها.. إن المطلوب اليوم ليس إعلانًا متعجلًا، بل العمل على تقوية الجبهة الداخلية و بناء مؤسسات دولة حقيقية و العمل ضمن تسوية سياسية شاملة


وإلى جانب التحديات الداخلية، تبرز مواقف دول الجوار كعامل حاسم لا يمكن تجاهله. فهذه الدول تنظر إلى أي إعلان دولة جديدة من زاوية تأثيره على أمنها القومي، واستقرار حدودها، وتوازناتها الإقليمية. ومن دون مقاربة سياسية عقلانية تطمئن دول الجوار، وتؤكد أن الدولة المرتقبة ستكون عامل استقرار لا مصدر قلق، فإن الإعلان قد يُواجَه بالتحفظ أو الرفض أو حتى بمحاولات الاحتواء والضغط.

أما على مستوى المنتظم الدولي، فإن كسب القبول لا يتحقق عبر تقديم مشروع سياسي متكامل يثبت القدرة على إدارة دولة مسؤولة.


الإعلان عن الدولة ليس نقطة بداية بقدر ما هو نتيجة لمسار طويل من الإعداد الداخلي والإقليمي والدولي. وكلما كان هذا الإعداد أكثر نضجاً وواقعية، زادت فرص القبول والاعتراف، وتراجعت احتمالات العزلة أو الصدام.