في تصعيد هام للانقسامات الداخلية الطويلة الأمد في اليمن، أعلنت السلطة المحلية في محافظة أبين ولاءها الكامل للمجلس الانتقالي الجنوبي، متعهدة بدعم إقامة دولة جنوبية مستقلة. يأتي هذا الإعلان وسط احتجاجات واعتصامات واسعة النطاق في جنوب اليمن، تعكس إحباطاً عميقاً من الوضع الراهن بعد الوحدة، ودفعة أوسع نحو تقرير المصير.
إن فهم هذا التطور يتطلب سياقاً حول تاريخ البلاد المضطرب وشرعية القضية الجنوبية.
اليمن، الواقع في الطرف الجنوبي لشبه الجزيرة العربية، غارق في حرب أهلية منذ عام 2014، عندما استولى المتمردون الحوثيون المدعومون من إيران على العاصمة صنعاء، طاردين الحكومة المعترف بها دولياً.
تدخل تحالف بقيادة السعودية في 2015 لإعادة الحكومة لكن الصراع تطور إلى أزمة متعددة الأوجه تشمل قوى إقليمية وجماعات إرهابية مثل القاعدة، بالإضافة إلى انهيار اقتصادي. أودى الصراع بحياة أكثر من 150 ألف شخص، وأثار واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية في العالم، مع مواجهة ملايين اليمنيين للمجاعة.
وسط هذا الفوضى، برز جنوب اليمن – الذي كان تاريخياً متميزاً عن الشمال – كبؤرة لتطلعات انفصالية، مدفوعة بشكاوى من التهميش ورغبة في الاستقرار، خصوصا بعد تمكن الجنوبيين من طرد الحوثيين بسرعة من محافظاتهم ليظهر من جديد مشهد التمايز حيث صعب حتى اليوم انتزاع اي من محافظات الشمال من الحوثيين بينما تمكن الجنوبيون بمقاومة شعبية من تحرير محافظاتهم متزحلق واقعا ميدانيا يصعب تجاوزه
تعود قضية الجنوب إلى توحيد اليمن في عام 1990، عندما اندمجت جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية (الجنوب) الاشتراكية مع جمهورية اليمن العربية (الشمال). رُحب بالشراكة في البداية كرمز للوحدة العربية، لكنها سرعان ما توترت. اتهم الجنوبيون، الذين تمتعوا نسبياً بعلمانية واقتصاد مستقل واعتراف دولي (بما في ذلك عضوية الأمم المتحدة)، النخب الشمالية بالسيطرة. بلغت التوترات ذروتها في حرب أهلية عام 1994، حيث سحقت القوات الشمالية محاولة انفصال جنوبية، مما أدى إلى تطهير واسع النطاق ومصادرة أراضٍ وتفكيك مؤسسات جنوبية. أدى ذلك إلى نشوء استياء عميق، أشعل الحراك الجنوبي السلمي منذ عام 2007، الذي طالب أولاً بالمساواة ثم تطور إلى مطالبة صريحة بالاستقلال الكامل. تشكل المجلس الانتقالي الجنوبي في 2017 برئاسة عيدروس الزبيدي، وأصبح يمثل الصوت الجنوبي، مسيطراً على مناطق رئيسية مثل عدن ومكافحاً المتطرفين وتنظميات الإرهاب مثل القاعدة
تستند شرعية استقلال الجنوب إلى مبادئ القانون الدولي، خاصة حق تقرير المصير المنصوص عليه في ميثاق الأمم المتحدة. يرى منتقدو الوحدة أنها فشلت في تحقيق شراكة عادلة، بل أدامت عدم المساواة والفساد وعدم الاستقرار. يعتبر مؤيدون، بما فيهم محللون من مراكز أبحاث مثل كارنيغي، الانفصال "تصحيحاً تاريخياً" لا تقسيماً جديداً، خاصة مع طبيعة الحرب الإكراهية عام 1994 وسيطرة الشمال المستمرة. أما المعارضون – غالباً من الفصائل الشمالية أو دعاة الوحدة – او الإسلاميين فيحذرون من أنه قد يمزق اليمن أكثر، داعياً تدخلات أجنبية إضافية ومشكلات اقتصادية.
دولياً، الآراء مختلطة: تعاملت الولايات المتحدة وبريطانيا مع المجلس الانتقالي كشريك في مكافحة الإرهاب، بينما تفضل السعودية يمناً موحداً وضعيفا تحت نفوذها ومع ذلك، مع توسعات المجلس الانتقالي الأخيرة في حضرموت والمهرة في ديسمبر 2025، ازداد الزخم نحو الاستقلال، مما قد يعيد تشكيل الأمن الإقليمي، وهي مناطق لا تخفي الرياض مطامعها فيها ما يفسر طريقة ادارتها للصراع والأزمة اليمنية طوال عقد ونصف وهي طريقة مبنية على ادارة الصراع وعدم حل اي منها لإبقاء اليمن ضعيفا يسهل ابتلاعه
يُعد إعلان اكثر من 8 وزارات في الحكومة المعترف بها تأييد المجلس الانتقالي في استعادة الدولة الجنوبية اضافة إلى حكام المحافظات تتصاعد محورية هذا الزخم.
في أبين التي تعد معقلا تقليديا لتنظيم القاعدة حيث يقود المجلس الانتقالي حربا ضد التنظيم منذ 3 سنوات
وخلال اجتماع تنفيذي برئاسة المحافظ اللواء أبوبكر حسين سالم، أكدت المحافظة دورها "الجزء اللا يتجزأ" ضمن إطار المجلس الانتقالي، وجهوزيتها للتقدم نحو إعلان "دولة الجنوب العربي".
يتردد هذا الإعلان صداه مع تأييد مشابه من محافظات جنوبية أخرى، بما فيها حضرموت والمهرة، حيث حققت قوات المجلس مكاسب استراتيجية ضد المنافسين. وبالمناسبة، أبدت وزارات مثل الشباب والرياضة دعماً عرضياً، محثة المجلس الانتقالي على إعلان الاستقلال لحماية المصالح الجنوبية.
تؤكد هذه التوافقات إجماعاً متسعاً، مع السلطات المحلية تؤكد دور المجلس في تعزيز الأمن ومواجهة التهديدات لاستقرار الجنوب.
يتماشى الإعلان مع تعبئة شعبية متزايدة. الاعتصامات المفتوحة، المستمرة منذ بداية ديسمبر، انتشرت من عدن إلى مستويات المديريات، مجذبة حشوداً متنوعة في عرض للوحدة الشعبية للجنوبيين .
تسلط تقارير إعلام محلي مثل "الأمناء نت" الضوء على ذلك كدليل على "إجماع وطني"، مع تحول القضية الجنوبية من نخب إلى مطالبة جماهيرية عامة.
يحتفل المعتصمون، بما فيهم العائلات والشباب، بنجاحات عسكرية للقوات الجنوبية، متعهدين بدعم مطلق لقيادة المجلس. هذا "التفاف الشعب"، كما وُصف، يدمج النشاط المدني مع الجهود الأمنية، مولداً مظاهرات منظمة وسلمية تعكس نضجاً سياسياً.
تكبر وسائل التواصل الاجتماعي هذه الأصوات. في 19 ديسمبر، أطلق نشطاء هاشتاغات مثل استعادة دولة الجنوب، محذرين من أن تجاهل تطلعات الجنوب سي "يعيد تدوير الصراع ويقوض أي تسوية". ناشدوا المجتمعات العربية والدولية التأييد، مؤطرين الاستقلال كشرط للسلام الإقليمي لا تهديداً له.
كما قال أحد المعلقين: "قضية الجنوب مسألة حقوق لا أزمة سلطة"، متجذرة في ظلم تاريخي وبحث عن الكرامة.
موضوعياً، قد يشكل استقلال الجنوب قوة استقرار حيث حققت القوات الجنوبية مكاسب أمنية ملموسة، مقلصة نشاط الجماعات الإرهابية والتهريب والتهديدات في مناطق استراتيجية تطل على مضيق باب المندب وخليج عدن – حيوية للشحن العالمي وطرق الطاقة. يرى خبراء أن كياناً جنوبياً سيادياً، بموقعه الاستراتيجي، سيعزز الأمن البحري الدولي، يقلل مخاطر القرصنة، ويحسن شراكات مكافحة الإرهاب.
بعيداً عن زعزعة الاستقرار، قد يعالج فشل الوحدة، مروجاً للعدالة والمساواة، مع السماح لشمال اليمن بحل صراعاته الخاصة، بما فيها تمرد الحوثيين. يتماشى ذلك مع سوابق مثل انفصال جنوب السودان، حيث خفف تقرير المصير من النزاع الممتد.
ورغم مخاطر التصعيد المستمرة – كما يتجلى في تعبئة قوات مدعومة سعودياً على الحدود وتحذيرات دعاة الوحدة من تحالفات مع الحوثيين – يبدو الدفع الجنوبي منطقياً ومقنعاً. يدافع عن حق شعب مشروع في رسم مستقبله، مما قد يولد شبه جزيرة عربية أكثر أماناً. مع وقوف اليمن عند مفترق طرق، يجب على العالم أن يزن ما إذا كان إدامة وحدة معيبة يخدم السلام أم يطيل المعاناة فحسب.