آخر تحديث :الأربعاء - 24 ديسمبر 2025 - 01:59 م

الصحافة اليوم


تحالف الحوثي والقاعدة.. استراتيجية "الحرب بالوكالة" لاستنزاف القوات الجنوبية

الأربعاء - 24 ديسمبر 2025 - 12:44 م بتوقيت عدن

تحالف الحوثي والقاعدة.. استراتيجية "الحرب بالوكالة" لاستنزاف القوات الجنوبية

تقرير عبداللاه سميح

في الوقت الذي تخوض فيه القوات المسلحة الجنوبية في اليمن معركة مفتوحة مع تنظيم "القاعدة"، تتكشف تباعا ملامح علاقة توظيف مركّبة تديرها ميليشيا الحوثي، تقوم على إعادة إنتاج التنظيم كأداة حرب غير مباشرة، بهدف إرباك الجبهة الجنوبية واستنزاف قدراتها الأمنية والعسكرية، بعيدا عن خطوط المواجهة التقليدية.


وبحسب معطيات أمنية، لم تعد هذه العلاقة مجرد تقاطع ظرفي في المصالح، بل تطوّرت إلى ما يشبه "التحالف الاستراتيجي الوظيفي" بدعم إيراني مباشر، ضمن مقاربة تقوم على بناء قوى هجينة تمزج بين العنف الإيديولوجي والأدوار الاستخباراتية، وتسخيرها كأدوات نفوذ إقليمي.




"تحالف الضرورة"

وخلال الأسابيع الأخيرة، صعّد تنظيم "القاعدة" من وتيرة هجماته ضد القوات الجنوبية في محافظتي أبين وشبوة، مستخدما مزيجا من الأساليب التقليدية والتكتيكات المستحدثة، يرى مراقبون أنها متصلة بالتقدم الميداني الذي أحرزته الوحدات الجنوبية في المحافظات الشرقية، وتعكس ارتباطا مباشرا بين التحوّلات الميدانية وحركية التنظيم.


ورغم التناقض الأيديولوجي، عمل "الحوثيون" خلال السنوات الماضية على نسج قنوات تعاون مع "القاعدة" تحت ذريعة ما يسمى بـ"تحالف الضرورة"، الذي بدأ بالإفراج المنهجي عن قيادات وعناصر مصنّفة إرهابيا من سجون صنعاء، قبل أن يتوسع لاحقا ليشمل تقديم دعم لوجستي وتقني، تضمن تزويد التنظيم بطائرات مسيّرة ومواد شديدة الانفجار وصواريخ حرارية، بما يشير إلى انتقال العلاقة من مستوى الاحتواء إلى مستوى التمكين العملياتي.


ووفقا لدراسات صادرة عن مركز "P.T.O.C Yemen" للأبحاث والدراسات، أفرجت الميليشيا عن مئات المحتجزين على ذمة قضايا إرهاب، ومنحتهم امتيازات مالية وحماية أمنية وزودتهم بهويات مزوّرة، قبل إعادة توظيفهم كخلايا استخبارية وأدوات ضغط ميداني في المحافظات الجنوبية، ضمن عملية إعادة تدوير ممنهجة للعنف.


ويشير المركز إلى أن هذه العمليات تُدار عبر جهاز "الأمن والمخابرات" الحوثي، ضمن مشروع أوسع مدعوم من الحرس الثوري الإيراني، يسعى إلى دمج الإرهاب في البنية التشغيلية للميليشيا، وتحويله إلى رافعة ضمن استراتيجية طهران الإقليمية القائمة على الحروب بالوكالة.



أداة غير نظامية

في هذا السياق، يقول المحلل العسكري، العميد ثابت حسين، إن توظيف ميليشيا الحوثيين لتنظيم "القاعدة" في تنفيذ عمليات إرهابية ضد القيادات والمصالح الجنوبية ليس تطورا طارئا، بل امتداد لنمط طويل من التخادم الأمني والعملياتي الذي خدم مصالح مشتركة للطرفين على مدى سنوات.


وأوضح حسين لـ"إرم نيوز"، أن التصعيد الأخير للقاعدة يرتبط مباشرة بالمتغيرات الميدانية التي فرضتها القوات الجنوبية، لا سيما بعد تطهير وادي حضرموت والمهرة من الجماعات المرتبطة بـ"الحوثيين"، وقطع أحد أهم مسارات تهريب السلاح نحو الميليشيا؛ ما دفع الأخيرة إلى تفعيل أدواتها غير النظامية.


وأضاف أن المرحلة الراهنة تشهد انتقال هذا التخادم من مستوى التنسيق السرّي إلى ما يشبه التحالف شبه العلني، وهو تطوّر يضاعف من التحديات أمام القوات الجنوبية، ويفرض عليها خوض معركة متعددة الجبهات ضد أطراف متداخلة المصالح والأدوار.



وحذّر حسين من أن هذا التحالف لا يهدد الداخل الجنوبي فحسب، بل يحمل تداعيات خطيرة على أمن الملاحة البحرية الإقليمية والدولية؛ ما يستدعي دعما إقليميا ودوليا مباشرا للقوات الجنوبية في مواجهة هذا التهديد المعقّد.


وأشار تقرير فريق خبراء الأمم المتحدة في اليمن الصادر مؤخرا، إلى التنسيق المتنامي بين ميليشيا الحوثيين وتنظيم "القاعدة"، شمل أوجها مختلفة من التعاون، بما فيها تدريب عناصر التنظيم وتقديم العلاج لمقاتليه في مناطق سيطرة  ميليشيا الحوثيين.


ووثّق الفريق الأممي اتصالات مباشرة بين قيادات من الطرفين، لتنسيق الأنشطة الميدانية، مؤكدا أن هذا التعاون يعكس استخدام ميليشيا الحوثيين لتحالفات تكتيكية مع جماعات إرهابية بغرض السيطرة الميدانية وتوسيع نطاق النفوذ.


أخبار ذات علاقة



اليمن.. القوات الجنوبية تتصدى لهجوم "القاعدة" في شبوة


أهداف مزدوجة

من جانبه، يرى المحلل السياسي، منصور صالح، أن "الحوثيين" يدركون حجم الضربات التي تلقاها تنظيم "القاعدة" على يد القوات الجنوبية، سواء عبر تفكيك شبكاته أو تجفيف مصادر تمويله؛ الأمر الذي دفعهم إلى تبني سياسة معاكسة تقوم على قلب السردية الأمنية وربط الجنوب بالإرهاب، بهدف تقويض مصداقيته إقليميا ودوليا.


وأشار صالح في حديثه لـ"إرم نيوز"، إلى مفارقة واضحة في الخطاب الحوثي الذي يرفع شعار محاربة "القاعدة"، في حين تُظهر الوقائع أنه المستفيد الأكبر من بقائه فاعلا، سواء عبر التواطؤ غير المباشر أو توظيف وجوده لإرباك المشهد الأمني وتشويه الخصوم.


ودلل على ذلك بغياب أي عمليات إرهابية نوعية استهدفت مواقع أو قيادات حوثية؛ ما يعكس "علاقة تخادم لا تخطئها عين المراقب" وفق تعبيره.


وبحسب صالح، تسعى الميليشيا من خلال هذا النهج إلى تحقيق هدف مزدوج: تشويه صورة القوات الجنوبية التي تعدّ خط الدفاع الأول ضد الإرهاب في جنوب الجزيرة العربية، وفي الوقت نفسه تسويق نفسها دوليا كشريك محتمل في مكافحة الإرهاب، رغم تصنيفها كجماعة إرهابية وارتباطها بأجندات إقليمية تهدد الأمن والاستقرار.


وأكد أن استمرار هذه العلاقة المتبادلة، يهدد بإبقاء الإرهاب حيّا وقابلا لإعادة التدوير؛ ما يحوّل بعض الجغرافيات إلى مساحات رخوة تهدد أمن الملاحة الدولية.


ودعا صالح في ختام حديثه، المجتمع الدولي إلى قراءة الوقائع الميدانية بواقعية، والتمييز بوضوح بين من يحارب الإرهاب فعليا ومن يستخدمه أداة للابتزاز السياسي.



ذراع تشغيلية

بدوره، يعتقد الباحث في شؤون الجماعات المتطرفة، عاصم الصبري، أن تصاعد الضغوط التي يواجهها "القاعدة"، قد تدفعه نحو الارتماء في أحضان ميليشيا الحوثيين بشكل أعمق.


وقال الصبري لـ"إرم نيوز"، إن تواصل الضربات الجوية الأمريكية التي تستهدف قيادات "القاعدة" المؤثرة وبنيته العسكرية، توازيا مع ارتفاع وتيرة العمليات البرّية التي تشهدها مناطق الجنوب، ستحدّ من قدرات التنظيم العملياتية وتقلّص من هامش حركته وقدرته على التخطيط والتنفيذ.


وذكر أن تلاقي هذه الضغوط المركّبة رغم أهميتها في إضعاف "القاعدة"، إلا أنها ستجعله يبحث عن مظلة حماية بديلة وموارد تعويضية؛ ما يمنح ميليشيا الحوثيين فرصة أوسع لاستثمار التنظيم كأداة وظيفية في صراعهم مع خصومهم.


وأشار الصبري إلى أن ذلك سيفتح الباب أمام توسيع نطاق الخدمات التي يقدمها التنظيم للميليشيا، سواء عبر تنفيذ عمليات استنزاف ضد الحكومة والقوات الجنوبية، أو من خلال أدوار أمنية واستخباراتية غير مباشرة، مقابل الحصول على السلاح والدعم اللوجستي، في معادلة تعكس انتقال القاعدة من فاعل مستقل إلى ذراع تشغيلية ضمن شبكة صراع أوسع.