جاء بيان وزارة الخارجية السعودية بصيغة هادئة ومطمئنة، تعكس حرصًا واضحًا على احتواء التوتر ومنع انزلاق المشهد نحو مواجهات مفتوحة. ورغم الإشارة إلى أن بعض التحركات اتسمت بالطابع الأحادي، فإن البيان تجنّب أي لغة تصعيدية أو إيحاء بالتصادم العسكري، وركّز بدلًا من ذلك على ضبط الإيقاع السياسي، والدعوة إلى التنسيق، وتغليب المسار السياسي بوصفه الإطار الأوسع لمعالجة التعقيدات القائمة.
هذا التوازن في الصياغة يعكس مقاربة تقوم على إدارة الخلاف لا تفجيره، والإبقاء على هوامش الحركة مفتوحة في ظل بيئة أمنية شديدة الحساسية. كما وضع البيان التهدئة ضمن سياق دولي أوسع، تحكمه اعتبارات مكافحة الإرهاب، واحتواء التهديدات الحوثية المرتبطة بإيران، وضمان أمن الملاحة الدولية في باب المندب وخليج عدن والبحر الأحمر، بما يعكس أن المقاربة السعودية تنطلق من مزيج بين الحسابات الإقليمية ومتطلبات الاستقرار الدولي.
في الوقت نفسه، بات المشهد اليمني يتشكل على وقع مسارين استراتيجيين متمايزين.المسار الأول تقوده المملكة العربية السعودية، وقد تشكّل في أعقاب التفاهمات التي رعتها الصين مع إيران، ومدعومًا بضمانات تتعلق بتحييد الحوثيين عن استهداف الأراضي السعودية. ويركّز هذا المسار على خفض التوتر وتأمين الجبهة الجنوبية للمملكة، غير أن مآلاته السياسية قد تفضي إلى شرعنة الحوثيين كسلطة أمر واقع في صنعاء، عبر عملية سلام تُدار بمنطق الاحتواء، وتُبقي بقية القوى السياسية في موقع هامشي محدود التأثير.
بالموازاة مع ذلك، يتبلور مسار آخر تقوده قوى فاعلة على الأرض مناهضة للمشروع الحوثي، وفي مقدمتها القوى الجنوبية ممثلة بالمجلس الانتقالي الجنوبي، إلى جانب سلطات مأرب وقوات المقاومة الوطنية، وبدعم من التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب. ويقوم هذا المسار على مقاربة أكثر حزمًا، ترى أن تحجيم النفوذ الإيراني، ومنع تحويل اليمن إلى منصة تهديد إقليمي، وتأمين الممرات البحرية الدولية في باب المندب وخليج عدن، لا يمكن تحقيقه عبر تسويات تُكافئ القوة المسلحة، بل من خلال بناء معادلة ردع تستند إلى قوى قادرة فعليًا على فرض الأمن والاستقرار.
هذا التباين في المقاربات يضع الأمن الإقليمي في صلب النقاش القادم، ويجعل المرحلة المقبلة مرهونة بقدرة الأطراف الإقليمية والدولية على الموازنة بين متطلبات خفض التوتر قصير المدى، وضرورات معالجة جذور التهديد التي تمس الملاحة الدولية والطاقة والتجارة العالمية. وفي هذا السياق، يبدو أن شكل التسوية المقبلة لن يُقاس بشعارات التهدئة وحدها، بل بمدى قدرتها على منع إعادة إنتاج الفوضى بصيغ جديدة.
وفي ظل هذا التباين، تترقّب الأوساط السياسية بيانات مقبلة أكثر وضوحًا، تحدد الاتجاه النهائي بين منطق الاحتواء ومنطق الردع، في مرحلة إقليمية شديدة الحساسية.
*سياسي وإعلامي جنوبي
#الجنوب_العربي #أمن_الملاحة_الدولية #باب_المندب #الأزمة_اليمنية