آخر تحديث :الأحد - 28 ديسمبر 2025 - 09:36 م

كتابات


أليس طلب رشاد العليمي إجراءً أحاديًا؟

الأحد - 28 ديسمبر 2025 - 07:42 م بتوقيت عدن

أليس طلب رشاد العليمي إجراءً أحاديًا؟

كتب / أحمد صدقي اليماني.

في المشهد السياسي اليمني الراهن، لا يبدو توصيف الأفعال بقدر ما يبدو انتقائيًا في اختيار من يُوصَف ومن يُستثنى. فقد شاع مؤخرًا في الخطاب الإعلامي والسياسي وصف إجراءات المجلس الانتقالي الجنوبي بأنها �أحادية�، وكأن هذا الوصف بات حكمًا جاهزًا لا يحتاج إلى تمحيص أو مقارنة، بينما تُمارس أفعال أخرى لا تقل في جوهرها ولا في أثرها أحاديةً وفرادية، دون أن تُسمّى باسمها الحقيقي. من أبرز هذه الأفعال طلب رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي تدخل التحالف العربي في حضرموت، وهو طلب مرّ سياسيًا وإعلاميًا بلا مساءلة حقيقية حول طبيعته أو دلالاته.


السؤال هنا لا يتعلق بالموقف من التحالف أو من دور السعودية تحديدًا، بل بطبيعة القرار نفسه. فحين يتخذ مسؤول، مهما كان موقعه، قرارًا يمس الجغرافيا والأمن والسيادة في منطقة ذات خصوصية سياسية واجتماعية مثل حضرموت، دون توافق وطني واضح، وإجماع داخل مجلس القيادة الرئاسي ذاته، أو تفويض شعبي بذلك، فإننا نكون أمام فعل سياسي مكتمل الأركان من حيث الأحادية، لا يقل في بنيته عن أي إجراء آخر وُصف سابقًا بهذا الوصف.


حضرموت ليست ساحة فارغة، ولا أرضًا بلا أصحاب رأي أو تمثيل. هي إقليم له ثقله، وله قواه السياسية والاجتماعية، وله مطالب متراكمة بإدارة شؤونه بعيدًا عن القرارات الفوقية التي تُصاغ في غرف مغلقة خارج سياقه المحلي. وعندما يُطلب تدخل خارجي في هذا الإقليم دون العودة إلى هذه القوى - أبرزها المجلس الانتقالي الجنوبي، فإن ذلك لا يُعد تعبيرًا عن �الشرعية� بقدر ما يعكس استمرار عقلية المركز الذي يتصرف نيابة عن الأطراف، لا بالشراكة معها.


اللافت أن هذا الفعل لم يُوصف بأنه أحادي، ولم يُقدَّم بوصفه تجاوزًا لمبدأ الشراكة الذي أُنشئ على أساسه مجلس القيادة الرئاسي، بل جرى التعامل معه كأنه ممارسة طبيعية لصلاحيات الرئاسة، في حين تُجرَّم أي خطوة يقوم بها المجلس الانتقالي الجنوبي بالمعيار ذاته،حتى وإن كانت نابعة من واقع ميداني، أو مدعومة بحاضنة شعبية واضحة، أو جاءت كرد فعل على فراغ أمني وإداري قائم وبالرغم من أن هذه الخطوة جاءت بتوافق من بعض أعضاء مجلس القيادة الرئاسي.


هذه الازدواجية في توصيف الأفعال لا تعكس اختلافًا في المنهج، بل اختلافًا في الموقع السياسي لمن يقوم بالفعل. فالأحادية لا تصبح أحادية لأنها تهدد مصالح طرف بعينه، ولا تنتفي لأنها صدرت باسم �الشرعية�. المعيار يجب أن يكون واحدًا: هل القرار توافقي أم فردي؟ هل راعى إرادة الشركاء وأبناء الأرض أم تجاوزهم؟ وهل بُني على مشاورات حقيقية أم على حسابات ضيقة؟


إن الإشكال الحقيقي لا يكمن في توصيف فعل دون آخر، بل في تحويل مفهوم �الأحادية� إلى أداة سياسية تُستخدم ضد طرف محدد، وتُعطَّل عند الحديث عن طرف آخر. وهذا ما يُفقد الخطاب السياسي مصداقيته، ويعمّق أزمة الثقة بين المكونات، ويكرّس شعورًا واسعًا بأن الشراكة المعلنة ليست سوى غطاء شكلي لقرارات تُتخذ من طرف واحد.


من هنا، يصبح السؤال مشروعًا وضروريًا: إذا كانت إجراءات المجلس الانتقالي تُوصَف بالأحادية، فلماذا لا يُوصَف طلب د. رشاد العليمي بتدخل التحالف في حضرموت بالوصف ذاته؟ أم أن الأحادية في اليمن باتت صفة انتقائية، تُلصق بمن لا يملك الغطاء الدعم الدولي الكافي، وتُرفَع عمّن يمتلكه، حتى وإن تشابه الفعل وتطابقت نتائجه؟


إن بناء دولة أو إدارة مرحلة انتقالية لا يمكن أن يقوم على هذا الخلل في المعايير. فإما أن تُدان الأحادية بوصفها نهجًا مرفوضًا أينما وُجدت، أو يُعاد تعريفها بوضوح وشفافية، بعيدًا عن الاستخدام السياسي المصلحي. أما الاستمرار في هذا الكيل بمكيالين، فلن يؤدي إلا إلى مزيد من الانقسام، ومزيد من التشكيك في جدوى أي حديث عن شراكة أو توافق أو دولة قادمة.