آخر تحديث :الإثنين - 29 ديسمبر 2025 - 09:40 م

كتابات


عن الموقف السعودي وأهمية إعادة هيكلة الشرعية

الإثنين - 29 ديسمبر 2025 - 07:48 م بتوقيت عدن

عن الموقف السعودي وأهمية إعادة هيكلة الشرعية
توقيع اتفاقية الرياض بين الحكومة والانتقالي - ارشيف

كتب/ د. عيدروس نصر ناصر النقيب.

هذا الحديث عن الموقف السعودي من أحداث المنطقة العسكرية الأولى لا يعبر بالضرورة عن الموقف الشخصي لكاتب هذه السطور من البيان السعودي والموقف السعودي عامةً إزاء التطورات الأخيرة في تلك المنطقة ، ولكنه مجرد محاولة لتحليل هذا الموقف من خلال بيان الخارجية السعودية والضربة الجوية التي وجهتها الطائرات السعودية لقوات النخبة الحضرمية في المنطقة التي كانت تواجه فيها كمينا أعدته لها الجماعات الإرهابية في غيل بن يمين، وفي هذا السياق يمكن التوقف عن النقاط التالية:

1. لقد جاء بيان الخارجية السعودية متأخراً أكثر من عشرين يوماً عن بدء الأحداث التي تمثلت في مواجهة القوات المسلحة الجنوبية بما فيها قوات النخبة الحضرمية وقوات دفاع شبوة، مع معسكرات المنطقة العسكرية الأولى ذات التكوين الشمالي بكامل قياداتها وافرادها، والتأخير هذه له دلالته، وفي ظني أن الموقف السعودي كان قد حسم حينما التقى الوفد السعودي بالرئيس عيدروس الزبيدي بعيد أحداث المنطقة العسكرية الأولى لكن إلحاح الدكتور رشاد العليمي وإعلام إسطنبول دفع الخارجية السعودية إلى إصدار البيان الذي لم يأتِ في مستوى يلبي ما كان يتوقعه الغاضبون من ترحيل قوات المنطقة العسكرية الأولى وإحلال القوات الجنوبية محلها، وبمعنى آخر فإن البيان لم يأت إلا من باب الترضية للنائحين الشرعيين إزاء الخطوة الشجاعة الحاسمة التي اتخذتها القوات الجنوبية التي يقودها المجلس الانتقالي الجنوبي لقطع ذراع الجماعة الحوثية في تلك المنطقة الشديد الحساسية.

2. وبالنسبة لضربة الطيران السعودي لموقع قوات النخبة الحضرمية فمن الواضح أن هذه الضربة لم تستهدف إلحاق الضرر بالقوات الجنوبية لكنها جاءت لإكمال الشق المعنوي من الترضية للرئيس رشاد العليمي وجماعته بضرورة تدخل السعودية عسكريا وهو طلب لا ينم عن مسؤولية إخلاقية او وطنية لأن رشاد العليمي وأنصاره يعيشون حالة هدنة مع الجماعة الانقلابية التي طردتهم من عاصمتهم ولم يطلبوا من أحد التدخل عسكريا ضد تلك الجماعة وحينما يطلب تدخلا ضد شركائه في السلطة التنفيذية والسياسية فإنه يكون قد حسم قرار عدم العودة إلى عدن، لأن من يطالب بقصف أية أرض لا يمكن أن يكون قد فكر بالعودة إليها.

وإذ لم تسفر الضربة السعودية عن أية أضرار بشرية أو حتى مادية بالقوات الجنوبية فإن المؤسف هو أن تتزامن مع عملية إرهابية ضد قوات النخبة قامت بها جماعة داعش التي ظلت متحالفةً مع قوات المنطقة العسكرية السابقة، وهو ما يضع القوات السعودية في موقف حرج يستدعي أن تقدم تفسيرا لهذا التزامن المؤسف، فمن غير شك أن السعودية يهمها محاربة الجماعات الإرهابية ولا يمكن أن تستهدف بضرباتها من يشاركونها هذا الهدف

3. وتبقى اٌشارة إلى ما يعلمه الجميع وهو إن السعوديه تدرك جيداً أن القوات الجنوبية بقيادة المجلس الانتقالي الجنوبي هي الحليف الوحيد الذي حقق انتصاراً ساحقاً ضد الجماعة الموالية لإيران في إطار عاصفه الحزم وإن شراكة الجنوب وقيادته السياسية وقواته المسلحة مع الأشقاء في التحالف العربي هي شراكة مبدأية وليست شراكة مصالح فردية ضيقة ومؤقتة، ومن المؤكد أن السعودية تعرف ذلك ولا يمكن أن تفرط بالشريك الفاعل والوفي من أجل الشريك الزائف والمخادع، والأكثر من هذا إن المملكة السعودية الشقيقة التي تسعى إلى إذابة جليد العداء مع الجماعة الحوثية لا يمكن أن تدخل في نزاع جديد مع أقرب أقربائها، وهذا ما لم يدركة المتلهفين لإثارة الشقيقة السعودية ضد الشعب الجنوبي وقيادته وقواته المسلحة.

4. إن الأحداث التي شهدتها المنطقة العسكرية الأولى لا تعبر عن تمرد أو تصرف أحادي أو مؤامرة ضد أحد بل بالعكس تمثل انتصاراً حاسماً للشرعية وللتحالف العربي، لكنها بنفس الوقت تعكس خللاً بيناً في بنية الشرعية ومؤسساتها، فحين يقف رئيس البلد الوافد من مناطق سيطرة الحوثي عاجزاً عن تحريك ألف مقاتل من أبناء منطقته لتحرير مديريته وقريته وبنفس الوقت عاجزاً عن تقديم كورس أسبرين لمريض في المناطق التي يديرها أوعن تشغيل الكهرباء لأربع ساعات في اليوم والليلة أو عن توفير الوقود الضروري لتدوير عجلة الحياة الاقتصادية والخدمية في المناطق التي يديرها أو عن توفير راتب نصف سنة لموظفيه، ويعجز عن نقل لواء واحد من قوات المنطقة العسكرية موضوع النزاع لمواجهة من خطفوا عاصمة بلاده، فإن وجوده مثل عدمه، وهو ما حذرنا منه يوم إعلان تشكيل مجلس القيادة الرئاسي.

إن هذا الوضع المختل يستدعي التوجه بالدعوة للأشقاء والأصدقاء في التحالف العربي وفي الرباعية الدولية ولجميع الشركاء من القوى السياسية اليمنية إلى إعادة النظر في تركيبة هذه الشرعية، من خلال إنهاء وظيفة مجلس القيادة الرئاسي، وإعادة هيكلة الشرعية بما يتناسب مع توازن القوى السياسية والجغرافية والديمغرافية على الأرض، باختيار رئيس جنوبي، ونائبين واحد لشؤون الجنوب وآخر لشؤون الشمال، وتشكيل حكومتين تعملان تحت قيادة مؤسسة الرئاسة؛ حكومة جنوبية لإعادة الإعمار وإدارة الحياة في الجنوب وحكومة شمالية مصغرة للتصرف مع تعقيدات القضية الشمالية، وإدارة العلاقة مع الجماعة الحوثية سلما وهو الأفضل أو حرباً إذا ما اقتضت الضرورة، ولن يكون الجنوبيون إلا داعمين لموقف الأشقاء في الشمال.