تشاتام هاوس والمسألة الجنوبية
قراءة المعهد الملكي البريطاني للشؤون الدولية للتحولات الجيوسياسية في الجنوب العربي
من موقعي كسياسي جنوبي يراقب ما يُكتب عن منطقته في دوائر صنع القرار الغربية، لا من باب الترويج ولا الاعتراض، بل لفهم كيف تُعاد صياغة الجنوب العربي داخل الخرائط الجيوسياسية الجديدة، يلفت الانتباه التحول الهادئ في لغة مراكز الأبحاث الدولية تجاه هذا الملف.
في هذا السياق، نشر Chatham House المعهد الملكي البريطاني للشؤون الدولية موجزًا تحليليًا حديثًا تناول فيه التحولات الجارية في اليمن، مع تركيز لافت على الجنوب العربي بوصفه عاملًا مستقلًا في معادلات الأمن الإقليمي والملاحة الدولية.
من الهامش اليمني إلى المسألة الجنوبية
يذهب تقرير Chatham House إلى أن المقاربة التقليدية التي اختزلت الأزمة اليمنية في مسار صنعاء والحوثيين لم تعد كافية لفهم الواقع القائم. فالتطورات المتراكمة خلال السنوات الأخيرة أفرزت جنوبًا له ديناميكياته الخاصة، سياسيًا وأمنيًا واقتصاديًا، وهو ما يفرض وفق التقرير إعادة تقييم شاملة لطبيعة الصراع وحدود الحلول المطروحة.
يرى المعهد أن الجنوب لم يعد مجرد مساحة متأثرة بالصراع، بل أصبح أحد العوامل المؤثرة فيه، خصوصًا مع تعاظم دوره في أمن الممرات البحرية والطاقة.
الجغرافيا كعامل حاسم في التقدير الاستراتيجي
يُعيد التقرير الاعتبار للجغرافيا الجنوبية، معتبرًا أن السواحل الممتدة على بحر العرب وخليج عدن، والقرب من باب المندب، تمنح الجنوب وزنًا يتجاوز حدوده المحلية. ويشير إلى أن أي اضطراب طويل الأمد في هذه المنطقة ستكون له انعكاسات مباشرة على التجارة العالمية وسلاسل الإمداد.
هذا البعد، بحسب التقرير، يفسر تنامي الاهتمام الدولي بالجنوب، ليس بدافع سياسي مباشر، بل انطلاقًا من اعتبارات الاستقرار البحري والأمني .
حضرموت في قلب المشهد
يخصص التقرير حيّزًا مهمًا لحضرموت، واصفًا إياها بنقطة الارتكاز في معادلة الجنوب. فاستقرار حضرموت وفق التقدير يشكل عامل توازن رئيسي، بينما أي انفلات أمني فيها قد يفتح مسارًا تصعيديًا مستقلًا عن الصراع في الشمال.
ويلاحظ المعهد أن التعامل مع حضرموت بمنطق إداري تقليدي لم يعد منسجمًا مع وزنها الفعلي على الأرض، لا سياسيًا ولا اقتصاديًا .
تباين الرؤى الإقليمية وحدود الإدارة المؤقتة للصراع
لا يتجاهل التقرير الخلافات بين القوى الإقليمية المنخرطة في الجنوب، لكنه يميز بين إدارة الخلاف وإنكاره. ويرى أن الاكتفاء بإدارة التناقضات دون معالجة جذورها السياسية قد يحول الجنوب إلى ساحة تنافس مفتوح، بدل أن يكون جزءًا من معادلة استقرار.
ويحذر من أن استمرار هذا النهج قد يؤدي إلى تصعيد غير مقصود، حتى في ظل غياب نوايا مباشرة للمواجهة.
المقاربة الدولية: إغفال الجنوب وتركيز ناقص
ينتقد Chatham House المقاربة الدولية التي تضع الجنوب في خانة “الملف المؤجل”، معتبرًا أن هذا التأجيل أسهم في خلق فراغ سياسي وأمني. فغياب إطار واضح للتعامل مع الجنوب، بحسب التقرير، لا يحافظ على الوحدة بقدر ما يراكم أسباب التفكك.
ما يلفت في هذا التقرير، وغيره من كتابات مراكز الأبحاث الغربية، ليس تبنّيه لرواية جنوبية بعينها، بل اعترافه الضمني بأن الجنوب العربي بات واقعًا سياسيًا وجيوسياسيًا لا يمكن تجاوزه.
وبينما تواصل هذه المراكز تحليل المشهد بلغة باردة ومحايدة، يبقى السؤال مطروحًا أمام الفاعلين المحليين والإقليميين : هل يكتفون بقراءة ما يُكتب عن الجنوب العربي ، أم يسعون إلى تحويل هذا الاهتمام البحثي إلى مسار سياسي واضح المعالم قبل أن تُفرض الحلول من الخارج.
*سياسي وباحث استراتيجي جنوبي
#SouthArabia #YemenGeopolitics
#الجنوب_العربي #اليمن #YemenAnalysis
https://www.chathamhouse.org/regions/middle-east-and-north-africa/yemen