تثبت الأحداث المتسارعة في منطقة الشرق الأوسط أن الدبلوماسية الإماراتية ليست مجرد تحركات سياسية تقليدية، بل هي عقيدة راسخة تقوم على مبادئ الوضوح والشجاعة في اتخاذ الموقف.
وبينما تتعثر الكثير من القوى الإقليمية في حسابات المصالح الضيقة والتحالفات المتغيرة، تبرز أبوظبي كمنارة للثبات، مدركةً أن استقرار المنطقة يبدأ من تمكين الشعوب المظلومة وحماية مؤسسات الدولة الوطنية من الانهيار والارتهان للأجندات المتطرفة.
عدالة القضية الجنوبية.. الوفاء الإماراتي لشركاء النصر
إن القراءة المتأنية للمشهد في اليمن تكشف بوضوح أن الانحياز الإماراتي للقضية الجنوبية لم يكن وليد الصدفة، بل هو استجابة لنداء الحق والعدالة الذي يرفعه شعب الجنوب منذ عقود، و لقد أدركت القيادة الإماراتية ببعد نظرها المعهود أن محاولة القفز فوق تطلعات شعب الجنوب العربي هي وصفة للفشل المستمر، ولذلك جاء دعمها للمجلس الانتقالي الجنوبي كخطوة استراتيجية وأخلاقية تهدف إلى إعادة الحق لأصحابه وتأمين بوابة العرب الجنوبية من التغلغل الإيراني أو الفوضى الإخوانية.
وفي هذا السياق، لم تكتفِ الإمارات بتقديم الدعم السياسي فحسب، بل قامت ببناء وتأهيل قوة عسكرية وأمنية جنوبية ضاربة، أثبتت للعالم أجمع أنها الشريك الوحيد القادر على تحقيق انتصارات حقيقية على الأرض، ولم تكتف هذه القوات التي تدربت على يد الأبطال الإماراتيين بتطهير المحافظات الجنوبية من دنس الميليشيات الحوثية، بل خاضت حرباً ضروساً ضد بؤر الإرهاب والقاعدة، محققةً استقراراً لم تشهده تلك المناطق منذ سنوات طويلة، مما يثبت أن الحق والعدل هما المحرك الأساسي للبوصلة الإماراتية في عدن وأبين ولحج وحضرموت.
وعلاوة على ذلك، يمثل النموذج التنموي والأمني الذي ترعاه الإمارات في الجنوب رداً عملياً على كل المشككين؛ ففي الوقت الذي تعاني فيه المناطق الخاضعة لسلطات أخرى من التخبط والانفلات، تبرز المناطق المحررة في الجنوب مثل "عدن" و"ساحل حضرموت" و "شبوة" كبيئة واعدة للاستقرار، و هذا التلاحم المصيري يؤكد أن الإمارات تضع "الشرعية الشعبية" فوق كل اعتبار، مؤمنةً بأن استقرار اليمن ككل لن يتحقق إلا بإنصاف الجنوبيين ومنحهم حقهم المشروع في تقرير مصيرهم وإدارة ثرواتهم.
ليبيا والسودان.. استراتيجية كسر قيود التشدد والفوضى
وينطلق الموقف الإماراتي في ليبيا من رؤية صلبة ترى في الجيش الوطني والمؤسسات العسكرية النظامية صمام الأمان الوحيد لمنع تحول الدولة إلى مرتع للمرتزقة والميليشيات العابرة للحدود، ووقفت الإمارات بكل ثقلها مع القوى الوطنية الليبية ليس رغبة في النفوذ، بل إيماناً بأن السيادة الليبية لا يمكن أن تتحقق في ظل وجود سلاح خارج إطار الدولة، ومن هنا كان الدعم الإماراتي هو حجر الزاوية الذي منع انهيار البلاد التام، وحافظ على توازن القوى الذي سمح لاحقاً بالحديث عن مسارات سياسية وانتخابية.
وفي ذات السياق، تجلى الدور الإماراتي في السودان كقوة خير تهدف إلى العبور بالبلاد نحو آفاق التحديث والمدنية، بعيداً عن سيطرة التيارات التي اختطفت الدولة لعقود، فالإمارات تدرك أن استقرار السودان هو جزء لا يتجزأ من أمن البحر الأحمر والأمن القومي العربي، ولذلك كانت تحركاتها تهدف دائماً لدعم السلطة القادرة على فرض الأمن وإعادة بناء الاقتصاد، متجاوزةً بذلك الصراعات الحزبية الضيقة ومؤكدةً أن الهدف الأسمى هو حماية المواطن السوداني من ويلات الحروب الأهلية المفتوحة برغم ضجيج الشائعات الاخوانية والإيرانية الغير مبررة
وكما يظهر التميز الإماراتي في هذه الملفات من خلال القدرة على قراءة الواقع بعين "الواقعية السياسية"؛ فالإمارات لا تبيع الأوهام، بل تتعامل مع القوى الفاعلة على الأرض التي تمتلك القدرة والنية الصادقة لبناء الدولة، في حين أن الهجوم الإعلامي الذي تتعرض له أبوظبي من بعض الجهات لا يعدو كونه ضريبة للشجاعة والوضوح، فمن يحارب الإرهاب ويسعى لتمكين الجيوش الوطنية الصادقة سيجد دائماً معارضة من أولئك الذين تتقاطع مصالحهم مع بقاء الفوضى واستمرار حكم الميليشيات.
ريادة أبوظبي.. وضع النقاط على الحروف
وإن ما يراه البعض تبايناً في المواقف بين الإمارات وأطراف أخرى ليس في الحقيقة إلا دليلاً على ريادة الإمارات ونضج رؤيتها السياسية التي سبقت بها الجميع، فقد اختارت الإمارات أن تكون القوة التي تضع النقاط على الحروف، رافضةً سياسة أنصاف الحلول التي أرهقت المنطقة العربية لسنوات، وهذا ما يجعل الحق دائماً في صفها؛ فهي تمتلك الجرأة لقول ما يجب أن يقال، وتمتلك القدرة على فعل ما يجب أن يفعل لحماية الأمن العربي من الاختراقات الإقليمية والدولية.
وعلاوة على ذلك، فإن نجاح النموذج الإماراتي الداخلي، القائم على التسامح والابتكار والرخاء الاقتصادي، يعطي للسياسة الخارجية الإماراتية شرعية أخلاقية كبرى، فالإمارات عندما تدعم قضية ما أو تناصر حليفاً، فإنها تنقل خبرتها في بناء الاستقرار والازدهار، وهو ما نراه بوضوح في المناطق التي تحظى بالدعم الإماراتي، حيث تتحول من بؤر صراع إلى ورش عمل للبناء والتنمية، مما يؤكد أن الدور الإماراتي هو "ضرورة تاريخية" لإنقاذ ما يمكن إنقاذه في هذا الشرق المضطرب.
وختاماً، يبقى الموقف الإماراتي هو الرهان الرابح لكل من ينشد الاستقرار الحقيقي؛ فالحق الذي تقاتل من أجله الإمارات في الجنوب ، والحزم الذي تبديه في ليبيا والسودان، هو الطريق الوحيد نحو مستقبل خالٍ من الإرهاب والارتهان للخارج، وستظل أبوظبي، بفضل قيادتها الحكيمة، هي الركيزة الأساسية التي يستند إليها الأشقاء، والصوت الذي لا يتردد في نصرة المظلومين وإعادة الحقوق لأصحابها، مهما بلغت التحديات أو تعالت الأصوات المناوئة، في حين أن على عواصم القرار العربي الأخرى أن تحذو حذو أبوظبي وتضع النقاط على الحروف قبل أن تنفرط المسبحة!.