ست سنوات مرّت، ولا يزال صوت الانفجار يهزّ قلبي وذاكرتي كلما حلّ هذا اليوم، 31 ديسمبر. لا زلت أتذكر ذلك الصباح الذي كنا نراه يوماً حافلا بالأمل، لكنه تحوّل في غضون دقائق إلى جحيم، يطارد كل حجر في مطار عدن وكل زاوية في روحي، كنا نراه يومًا سيعيد الأمل إلى أرضٍ عطشى للسلام، لكنه صار شاهدًا على أبشع جريمة استهدفت حلمنا جميعًا.
لقد رأيتُ بأم عيني كيف تحوّلت أرضية المطار، التي كان يُفترض أن تستقبل وزراء الوطن، إلى مسرح للدم وأشلاء الشهداء، رأيتُ رجال الأمن يتساقطون وهم يفتحون الطريق للضيوف، ورأيتُ الصحفيين الذين جاؤوا لنقل صورة العودة السعيدة يتحولون إلى ضحايا، فبدلا عن نقل القصة صاروا هم جزء من تلك القصة المأساوية التي ستضل خالدة في الوجدان إلى الأبد، وشاهدتُ عمال الإغاثة، حاملي غصن الزيتون، مغسلون بدمائهم قبل مغادرتهم بلادنا وربما إلى الأبد.
يا له من ثمنٍ دفعته عدن، ودفعه العاملون في هذا المرفق السيادي (مطار عدن)! كانت ضربة قاصمة، ليست للمباني التي تحطمت زجاجها، ولا للصالات التي تهاوت أسقفها، بل كانت ضربة لقلب كل مواطن كان ينتظر أن يُقلِع هذا المطار بحركة الحياة والسلام، لم يستهدفوا الحكومة فحسب، بل استهدفوا آمال شعب كامل في استعادة دولته وكرامته، استهدفوا شريان الحياه الذي كان يسكن قلوبنا جميعاً.
لكن... بفضل الله ثم بفضل إصرار الكوادر المخلصة، المدنية والعسكرية، وبإرادة كل من يرى في عدن رمزًا لا يمكن كسره، عاد المطار ليفتح أبوابه، قمنا من تحت الركام، نظّفنا الدم، وأعدنا تشغيل الأجهزة، وأقلعت الرحلات الأولى بعد ساعات قليلة من الجريمة الارهابية لقد أثبتنا للجبناء أن صواريخهم مهما كانت حاقدة وقاتلة لا تستطيع أن تكسر إرادة شعب يريد الحياة، و
في هذه الذكرى، لم ننسى ولم نسامح وما زلنا نتذكر كل روح بريئة فارقتنا من رفاقنا في المطار ومن كل الحاضرين الذين جائوا و قلوبهم ممتلئة بالأمل حالمين بواقع جديد.
ندرك جميعا بان ثمن الكرامة والسيادة باهظ، لكننا لم ننسى آهات الجرحى ودموع الأمهات، وسندفع الثمن بصبر وإصرار، وعزيمة لا تلين مؤمنين بان تراب الوطن غالي ولاجله يرخص كل شيء.
وفي الختام أتوجه بالتحية والتقدير إلى كوادر وابطال مطار عدن الدولي الذين لم ينهزموا بهكذا جرائم ارهابية واثبتوا بانهم قادرين على العطاء والعمل في أقسى الظروف وأصعب المواقف.
وكذلك الشكر إلى كل الشرفاء والمخلصين من قيادة وابطال العاصمة عدن الذين صمدوا بعد هذه الجريمة ورفضوا الاستسلام لليأس أو الخوف، وثقوا جميعا بان عدن ستبقى وان هذه المدينة قد تمرض او تصاب لكنها لن تموت وسيبقى مطارها، وسواحلها وشوارعها شاهدةٌ على التضحية والفداء موقنين جميعاً أن الإرادة الوطنية قادرة على النهوض دائمًا من بين الركام واقفين بكل قوة وشموخ نحو غدٍ افضل باذن الله.
*المدير العام السابق لمطار عدن الدولي