آخر تحديث :الإثنين - 09 ديسمبر 2024 - 08:30 م

كتابات واقلام


الصُلحُ خير يا نَافِخِي الكِير

الخميس - 11 يوليه 2024 - الساعة 11:15 م

محمد علي محمد احمد
بقلم: محمد علي محمد احمد - ارشيف الكاتب


لو تتبعنا الحوادث و راجعنا الوقائع لوجدنا أن ما تعج بها المحاكم من قضايا ، وما تمتلئ بها السجون من بؤساء ، يرجع جُلُّهُ إلى إهمالنا للسعي بالصلح بين الناس ، و حين تركنا ذلكم الخير عَمَّ الشرُ وأهلك النفوس ، وقضى على أواصر المحبة والوئام ، وقطع ما أمر الله به أن يوصل ، وذهب بقوتنا واجتماعنا ، واختلط الحابل بالنابل ، وظهر الفساد في الأرض.

فما الصلح إذن ؟
إن الصلح في اللغة: اسم من المصالحة، وهي المسالمة بعد المنازعة.
والصلح في الشرع: مُعَاقَدَةٌ يُتَوَصَّلُ بِهَا إلَى الْإِصْلَاحِ بَيْنَ الناس.
ولقد جاء ذكر كلمة الصلح بمشتقاتها في القرآن الكريم ثلاثون مرة ، وهذا يدل على أن الصلح له شأن عظيم و مبدأ قويم ، يهدي به الله أصحابه إلى صراط مستقيم ، و ينتج عنه مجتمع سليم.

يقول الحق تبارك وتعالى في كتابه العزيز :
﴿ وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ﴾ سورةفصلت: 34: 35

و قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم :
" أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَفْضَلَ مِنْ دَرَجَةِ الصِّيَامِ وَالصَّلَاةِ وَالصَّدَقَةِ؟ قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ إِصْلَاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ ."

وقَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَة (رحمه الله):
"لو أن رجلًا اعتذر إلى رَجُلٍ فحرَّفَ الكلامَ ليرضيه بذلك لم يكن كاذبًا ."
(و ليس بالكاذب من يسعى للصلح)

فالإسلام دين المودة والتسامح ، ولذا ينبغي على المسلم العاقل ، الذي يحب الله ورسوله ويحب الخير لنفسه ولإخوانه ولمجتمعه و وطنه أن يبادر بالصلح مع من خاصمه ، فَيَصِل من قَطَعَه ويُعطِي من حَرَمَه ويعفو عَمَّن ظلمه وينسى المشاكل والفتن ، ويبدأ مع إخوانه ومجتمعه صفحة بيضاء نقية ، وله عند ربه سبحانه وتعالى ثوابًا عظيمًا .

ولا شك أن المجتمعات لا تخلو من المشاكل وأن الكثير من الاعتداءات على الأرواح، وضياع الحقوق وتشتت أفراد الأسرة الواحدة ، ترجع أسبابه إلى التهاون في الإصلاح بين المتخاصمين
لذلك فإن شريعتنا الإسلامية الغراء قد بينت لنا الطريقة المثلى للصلح بين الناس، حتى ينتشر الأمن والسلام بين أفراد المجتمع، وتحل الألفة والمودة محل الحقد والكراهية ويتوقف الإنسان عن التفكير في الثأر والانتقام ويوفر جهده و وقته للتفكير فيما فيه صلاح نفسه وأسرته ومجتمعه و وطنه الذي يعيش فيه.

لكن المؤلم حقيقة أن بعض الناس يقفون موقف المتفرج ، وإذا بهم يحللون ويعلقون وليتهم يصمتون لا بل يتغامزون ويلمزون ويتتبعون الأخبار و للحوادث أولاً بأول يرصدون ، ليس للصلح يسعون !!
لم إذن كل هذا يفعلون ؛؛ أتدرون؟
ليشعلون نار الفتنة والعداوة بين المتخاصمين ، حتى يقهر القوي الضعيف ، ويقتل بعضهم بعضاً ولو كان ذلك بالباطل والزور والبهتان ، دون خوف من الله ولا مراعاة لمصلحة الوطن ، ولا حياء من الناس ، لتكون النتيجة بعد ذلك ضياع للحقوق وانعدام الرحمة وسوء الأخلاق ، فعلى أولئك النفر من الناس أن يَكُفُّوا عن القيل والقال و نفخ الكير و السعي للفتنة سواءاً بقصد ممن لا يريدون لنا الخير والأمن والأمان ، أو دون قصد من بعض العامة لجهلهم بمآل ما ينطقون به وضرره على نسيجهم الاجتماعي و أمنهم القومي ، لذا فإن صمتهم خير لأنفسهم ولمجتمعهم ، لقول الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام : ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت) .

فعلاج النفوس من الأضغان والأحقاد والكراهية ، تكفيها كلمة واحدة تصدر من لبيب، ناصح مخلص عاقل محب لوطنه ، تقضي على الخصومات في مهدها لتُهدِّأ النفوس و تُطَيِّب القلوب ، فتصبح الغلبة للخير بفضل الله ثم سعي أهل الخير للخير ، ويرتفع الشر عنا و يزول من أرضنا و سمائنا ، وبهذا نجنب مجتمعنا من التصدع والإنشقاق ، وترتقي عقولنا نحو الآفاق ، وتصفى قلوبنا بالسلام والعناق .

فإن كنا بحق لجنوبنا عشاق ، وبلهفة نتطلع لاستعادته بإخلاص دون نفاق ، ترفعوا عن الصغائر وكونوا على وفاق ، وتجاوزوا عن أخطائكم بالتصحيح و شدوا الوثاق ، فإما نكون رجالاً مهما اشتد الخناق ، أو لا نكون فاختاروا بين خيارين لا ثالث لهما أيها الرفاق .