آخر تحديث :السبت - 17 مايو 2025 - 09:05 م

كتابات واقلام


جلست… والخوف في عينيها

الخميس - 17 أبريل 2025 - الساعة 08:05 م

المحامي جسار فاروق مكاوي
بقلم: المحامي جسار فاروق مكاوي - ارشيف الكاتب


جلست إيران أخيراً. بعد كل الضجيج، كل الشعارات، وكل الوعيد الذي كان يتعالى من طهران حتى كاد يخترق سقف السماء. جلست على الكرسي المقابل، لا شاهراً سيفاً ولا حاملاً مفاتيح الطريق إلى القدس. جلست... والخوف في عينيها. ما أشار إليه الكاتب الكبير سمير عطا الله ليس مجرد تحول لغوي أو بروتوكولي. بل هو انعطاف حاد في تاريخ طويل من المكابرة والرهانات على كيمياء الشعارات بدل حسابات الواقع. إيران التي كانت تتحدث بلغة الرصاص والصواريخ، أصبحت تنطق اليوم بلغة "التهدئة" و"الضمانات"، بعد أن أدركت أن الرقص على حافة الهاوية قد يقودها، لا أعداءها، إلى السقوط. جلست إيران تتحدث، لا عن ثماني دقائق وثلاث ثوانٍ لإغراق إسرائيل، بل عن خطوط حمراء في الخليج، وعن تهدئة في اليمن، وعن رغبة في "علاقات طبيعية" مع الجيران. جلست تبحث عن مخرج من عنق الزجاجة، بعدما ضاقت عليها الدوائر، وكشفت المعادلة الجديدة أن مشاريع النفوذ لا تُبنى بالشعارات، بل تنهار على صخرة الواقع. أكثر ما يلفت الانتباه، ليس الجلوس بذاته، بل ما يختبئ في العيون. ذاك القلق الصامت، وارتباك الكرامة المصطنعة، وخوف الدولة التي اعتادت أن تصنع الخوف، فإذا بها اليوم تخشاه. جلست إيران، لكن روحها الثورية المرتبكة وقعت في مأزق التناقض: كيف تشرح لجمهورها أن الصراخ تراجع، وأن "طريق القدس" بات يمر من واشنطن ومسقط وبكين، لا من صعدة ودمشق وبيروت؟ المعادلة الجديدة لا ترحم. لا هيبة في الهروب من المواجهة، ولا عظمة في التنازل المفاجئ. لكن التاريخ سيسجل أن "محور المقاومة"، الذي صال وجال في الشعارات، جلس يوماً على الطاولة… والخوف في عينيه. في النهاية، لا بأس أن تتحدث إيران، بل من الجيد أن تفعل، لكن عليها أن تدرك أن العالم تغير. فالحروب لم تعد تُخاض بالحناجر، بل تُكسب بالعقل، والإقليم لم يعد ملعباً مفتوحاً للعبث، بل رقعة شطرنج فيها حسابات دقيقة، لا مكان فيها للمقامرات المجنونة. جلست إيران… وسقط القناع.