آخر تحديث :السبت - 14 يونيو 2025 - 12:34 ص

كتابات واقلام


حينما تتجمع الوحوش

الإثنين - 09 يونيو 2025 - الساعة 03:42 م

سعيد أحمد بن اسحاق
بقلم: سعيد أحمد بن اسحاق - ارشيف الكاتب


حينما تتجمع الوحوش تنهار القيم وتكثر الاحاديث وتتعالى الاصوات وتختلف الرؤى وكل يقدح الحلول من إنائه، ويزداد التصفيق مع تزايد الصفقات وتدخلات الدول ومنها يسال اللعاب وتنصب الخيم للاصطياد وتتقاسم الاراضي بين القبائل وتضيع بقية الامة وسط الزحام ويصعب التمييز بين الافراح والتناحر وتمتزج الدموع وتتعدد المواثيق والمعاهدات بين فناجين القهاوي حينا والمقاوتة حينا آخر سرعان ما تنقض نفسها وتخسر الاوراق وحبر الاقلام ويتسيد الخلاف مع تفاوت الاوقات فتلغى التقاويم وينحر التاريخ على موائد الوجبات احتفاءا وينصب الصعاليك شيوخا وحكاما..بين ترويع وتجويع ويموت الوطن؛و تصبح دماء الشهداء مقالب؛ والاخلاص تهور؛ والانتماء نكتة؛ والثورات ذكرى مر زمانها وأنتهى ويتهم بالخيانة العظمى.

حينما يصل الوطن الى هذا المستوى تتحلل اعضاءه فلم تصبح قادرة على العطاء؛ وتتشوه الصورة؛ وتشوب النوايا الغثاء؛ وتتخلل الشقوق البنيان وتتصدع الجدران وتنهار الدولة ومن لا دولة له لا سيادة له، فلا وجود له ولا يحق له الكلام والمطالبة؛ ويصبح الجميع مجرد فقاقيع ملعوبة ما تلبث ان تكون فاقدة للحياة.. وتتبدل الارض غير الارض تتساقط فيها الضحايا تباعا .. ارض للصراعات والنزاعات للانات ورث وإرث.
انها العودة الى الجاهلية فيها الأعراب غزاة بين الكر والفر، ولكل قوم هبة، وللأكثر منها سلطة.. فأغلقوا الجامعات إذن فالوطن يموت مادام الغوث يأتيك من ذئاب الفضاء ومن ضباع الصحاري العارية.. فلا داعي للاستنزاف فوق ما نطيق وعدم القبول للشورى والحوار للوقت تطويل وتمييع. فما لهذا يضيع؟!

آه ياوطن.. فقد طوى التاريخ زمانك وبكى وفضل الرحيل مع من مضى وتتبع الأثر حتى توارى وأختفى.. فمن يعيده للوطن ومتى؟ فهل من أثر لمن رحل عنا ؟ وهل من طريق يسلكه الفرقاء؟ قبور بيننا تحكي ، أنقطعت اخبارهم ولم تنقطع مآثرهم.. لم تتوارى ولم تبقى للأنظار غيرها. الى متى نبكي الزمان والزمان يبكينا؟ فمتى ياوطني تعود؟ طال الغياب وتكرر السؤال حتى اعترانا الشيب فأصبح غطاء.. أصدقوني القول فلم يبقى بالعمر بقية.. زاد العواء كما زاد الصياح والبكاء فتفقدوا أنفسكم قبل فوات الأوان، والارقام كل يوم في صعود، تعطينا الجديد والى هنا بقولي أكتفي.

حينما تجتمع الوحوش تتعدد العروش وتزداد الجيوش فتنهار الشعوب.. فمن لنا بعد الوطن إن لم يعود.. فهل منا من فكر بالأجيال؟