آخر تحديث :الجمعة - 11 يوليو 2025 - 06:26 م

كتابات واقلام


أنموذج حرب الغرب على إيران بعيون روسية: بين اختبارٌ القوة، ومقدمةٌ للابتلاع

السبت - 21 يونيو 2025 - الساعة 03:13 م

د.أمين العلياني
بقلم: د.أمين العلياني - ارشيف الكاتب


ما يجري اختباره في إيران ليس مجرد صراع عابر، بل هو أنموذجٌ مصغَّر لآلة استعمارية تعيد تشغيل ذاتها، فالغرب لا يبحث عن انتصارٍ عسكريٍّ صريح، بل عن خريطةٍ جديدة تُرسم بدماء الضعفاء، وتُحفر بآلام الأمم التي تجرؤ على الوقوف؛ إنه يعلم جيداً أن موازين القوى النزيهة لا تصبُّ في صالحه، لذا فهو يتحرَّك كالأفعى: يزحف في الظلام، يلدغ من الخلف، ويُفرغ جسد الضحية رويداً رويداً حتى تسقط بفعل التآكل الداخلي، لا بفعل الضربة القاضية.

هذه ليست تكتيكات جديدة، بل هي جوهر الإمبراطورية الغربية التي بنت مجدها على الجثث والأوهام؛ إنها إمبراطورية ترفض المواجهة المباشرة، وتُفضِّل الاغتيال على الحوار، والتدمير البطيء على الحرب المعلنة. أما دول الجنوب، فتسقط في الفخ ذاته مراراً: تتعامل مع الأزمة كحالة طارئة يمكن احتواؤها، لا كمنظومة استعمارية يجب اقتلاعها من الجذور. هنا لا يوجد صراع بين أنداد، بل هناك مفترسٌ يتربَّص، وفريسةٌ تُقاسِمُ نفسها قبيل الافتراس.

وإن لم تدرك الصين وروسيا والعالم الصاعد هذه الحقيقة المريرة، فسيجدون أنفسهم قرباناً على مذبح الغرب؛ ليس بسبب ضعفهم، بل لأنهم تجرؤوا على النهوض، والنهوض في نظر الإمبراطورية القديمة جريمةٌ لا تُغتفر؛ فآلام إيران اليوم ليست سوى الفصل الافتتاحي لمأساةٍ كُتبت فصولها مسبقاً: أوكرانيا مسرحٌ لاستنزاف روسيا، وتايوان فتيلٌ بطيءٌ لإشعال الصين، وأفريقيا ساحةٌ تُشعل فيها النيران انقلاباً تلو الآخر، تحت راياتٍ مزيفةٍ لا تحمل سوى خراباً جديداً.

الغرب يخوض حرباً شاملةً بلا توقف، حتى حين يزعم أنها سلام، ونحن نردُّ بتردُّدٍ يليق بضحايا التاريخ، حتى حين نُطلق على ردنا اسم المقاومة؛ لكن التحرر الحقيقي لن يتحقق بالكلمات والبيانات، بل بالقوة التي تُجبر المعتدي على الجلوس إلى طاولة المفاوضات مرعوباً، ولن يتوازن العالم بخطبٍ رنّانة، بل حين تذوق عواصم الغرب مرارةَ ما تذوقه مدننا، وحين تختبر حدودُهم نفسَ الخوف الذي زرعوه في حدودنا.

هذا ليس دعوةً للعدوان، بل إنهاءٌ لوهمٍ قاتل: أن السلام يُستجدى من إمبراطوريةٍ بُنيت على الجماجم. تايوان يجب أن تعود إلى أحضان الصين، وأوكرانيا يجب أن تتحرر من براثن الغرب، وفلسطين يجب أن تُقام على أنقاض المشروع الاستعماري، ليس طمعاً في التوسع، بل تحقيقاً للتوازن، وإنصافاً للحقيقة.

لقد حان الوقت، لأن يتحول تحالف "بريكس" من نادٍ للخطابات الدبلوماسية إلى محورٍ ثوريٍ يصحح مسار التاريخ، إلى درعٍ يحمي الجنوب، وإلى مطرقةٍ تُحطم قيود الهيمنة القديمة، إذا كان الغرب يشن حرباً هجينة، فعلينا أن نردَّ بانتفاضةٍ هجينة: سياسيةً تقلب موازين القوى، اقتصاديةً تقطع شرايين النهب، ثقافيةً تستعيد الرواية المسروقة، وعسكريةً ترسم حدوداً جديدةً للردع.

إن سقوط إيران سيكون إيذاناً بحربٍ عالميةٍ لا هوادة فيها، أما صمودها فسيكون البداية الحقيقية لانهيار الساحر الذي ظنَّ نفسه إلهاً؛ لأن الغرب اليوم يرتجف، ولأول مرة منذ قرون، يشعر أن العالم ينزلق من بين أصابعه، لهذا فليحدث ذلك! وإن كانت حربٌ عالميةٌ هي الثمن الذي يجب دفعه كي تنهار إمبراطورية القهر والاستعلاء، فليكن، لأن هذه الإمبراطورية العجوز لم تُبنَ إلا على خيانة العهود، وسرقة الثروات، وتكديس الجثث في مقابر جماعية، وهي لا تستحق أن تنطفئ بهدوء، بل أن تحترق في لهيب المقاومة.

المعركة القادمة لن تُحصر في دول الجنوب، بل ستمتد إلى قلب العاصمة الغربية نفسها، لأن زمن الضحية الواحدة قد ولى، وجاء زمن الثائرين.