آخر تحديث :الجمعة - 11 يوليو 2025 - 05:44 م

كتابات واقلام


المجلس الوطني للنقد العام

الإثنين - 23 يونيو 2025 - الساعة 03:52 م

د.عارف الكلدي
بقلم: د.عارف الكلدي - ارشيف الكاتب


طالعت عنوانا عريضا في صحيفة عدن الغد فيه كلمة (مجلس النقد) فتبادر إلى ذهني قبل أن أكمل قراءة الخبر شيء أوسع من الذي قُصد في الصحيفة.

بعد إتمام قراءة الخبر اتضح أنهم يقصدون "مجلس النقد المالي" فقط.. وعلى أية حال فإن هذه الكلمة هي التي قدحت في الذهن فكرة هذا المقال.

ينبغي أن نعلم أن بداية استعمال كلمة النقد في اللغة العربية كان للدلالة عن معرفة العُمْلة الحقيقية من العملة المزيفة من الدنانير التي كانت تُسك من الذهب، والدراهم التي كانت تُسك من الفضة، وظهر النقد المالي هذا بسبب ظهور الغش في نسبة الذهب في الدنانير، ونسبة الفضة في الدراهم.

ثم انتقل مصطلح النقد إلى نقد الأحاديث النبوية عندما ظهر الكذّابون الذين يفترون على رسول الله ما لم يقله، فظهر نُقّاد الحديث الذين يهتمون بتمييز الأحاديث الصحيحة من الأحاديث الضعيفة أو المُفتراة كما يميز ناقد العملة بين العملة الحقيقية والعملة المزيفة.

ثم انتقل مصطلح النقد إلى مجال الأدب عندما كثر المتطفلون عليه، فظهر النقد الأدبي ليبين جيّد الأدب والشعر من رديئه.

ثم تطور النقد في الحضارة المعاصرة إلى النقد العام عندما شكّل الفساد المؤسسي والإداري والمالي خطرا داهما يعيق عملية التنمية، وقد تمخض هذا النقد إلى بروز أربعة مظاهر نقدية:

1- النقد الحضاري والثقافي: الذي تقوم به صفوة المثقفين والمفكرين والفلاسفة لإصلاح المنظومة العامة للمجتمع.

2- نقد السلطة الرابعة: التي يشكلها الإعلام لنقد السلطة التنفيذية مع ظهور نقد داخل هذا النقد ليضمن إيجابيته وعدم تحوله إلى ممارسة الفساد الإعلامي لأغراض دنيئة.

3- نقد المعارضة السياسية: وهو النقد الذي تمارسه الأحزاب التي لم تفز في الانتخابات الأخيرة والتي تعد الوجه الآخر للسلطة الموازي لها في القيادة السياسية والاقتصادية.

4- النقد المؤسسي: الذي يطرحه من يشعر بالمسؤولية من المنضمين إلى مؤسسة معينة عندما يرى خللا في أدائها أو في تعيين قياداتها.

وهذا النقد العام يدخل في معنى قوله تعالى: (ولولا دفعُ اللهِ الناسَ بعضهم ببعض لفسدت الأرض)

بموجب التصور السابق للنقد في الحضارة المعاصرة فإن الضرورة تقتضي تشكيل (المجلس الوطني للنقد) في بلادنا، يبادر إليه المثقفون عموما، ولا سيما المثقفين من الطبقة الوسطى الذين يتم حاليا تهميشهم إلى ما دون خط الفقر في الوقت الذي يجري فيه منح امتيازات سخيفة بغير خطام ولا زمام.

أقترح أن يكون مجلس النقد في بدايته مؤسسة طوعية لا تخضع للسلطة الحالية المعوجّة؛ لأنهم أصلا موضوع النقد.

وأقترح أن يكون له اتجاهات يكتب فيها كل ناقد ما يحسنه في مجال تخصصه أو في مشاكل مؤسسته التي ينتمي إليها، سواء كانت رسمية أم غير رسمية بحيث يقوم بنقد المتطفلين على ذلك التخصص أو تلك المؤسسة، والمتطفلون هم العناصر الأنانية من الذين لا يملكون الكفاءة أصلا، أو عندهم كفاءة ولكنهم يخونون الأمانة.

ومن ضمن اتجاهات هذا المجلس اتجاه يقال له نقد النقد، مهمته تمييز النقد البنّاء الحقيقي من النقد الموجّه لأغراض فاسدة يقوم به أناس موجهون وليس لهم غرض إلا الانقضاض من أجل السيطرة والاستحواذ ثم ممارسة ما هو أسوأ.

إن لم يتداعى مثقفو الطبقة الوسطى لتشكيل عمل منظم ومتكامل للنقد فإن الضرر لا يكون عليهم فحسب بل على الأجيال اللاحقة، وذلك أن المثقف لو رضي بالذل والمهانة وسلّم رقبته لسكين الجهلة فإن هذا يعني لعنة التاريخ له وخروجه من سجل الخالدين والطيبين إلى فئة المغضوب عليهم الملعونين عند الله وفي سجل التاريخ وعند أولادهم وأحفادهم (خسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين)