آخر تحديث :الأحد - 07 ديسمبر 2025 - 01:31 ص

كتابات واقلام


المتعهدون الجدد في عالم الصحافة

الجمعة - 14 نوفمبر 2025 - الساعة 11:00 م

المحامي جسار فاروق مكاوي
بقلم: المحامي جسار فاروق مكاوي - ارشيف الكاتب


يشهد عالم الصحافة اليوم تحوّلًا جذريًا لم يعد يقتصر على إدماج التكنولوجيا فحسب، بل امتد ليغيّر قواعد اللعبة نفسها ، من مهنة تلتزم بالتحقيق والتوثيق إلى فضاء مفتوح يتبارى فيه كل من هبّ ودبّ على تقديم الخبر، أحيانًا وكأنها حفلات مدفوعة الأجر تُؤدّى بعناوين صارخة ولا تهتم بجوهر الحقيقة.

مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت أدوات النشر في متناول الجميع؛ الهواتف الذكية تحوّلت إلى استوديوهات وصحف ومحركات نشر. هذا التحول التقني الذي كان يُفترض أن يوسّع دائرة المعرفة تغيّر إلى سيف ذو حدين ، من جهة سهّل الوصول إلى المعلومة وفكّ أسرارًا كانت مختبئة، ومن جهة أخرى فتح المجال أمام مجموعات من الممارسين الذين يشتغلون كمتعهدين للحظات إعلامية يبيعون الانطباع ولا يلتزمون بأحكام المهنة وأخلاقياتها.

تواجه الصحافة تحديات كبيرة اليوم، فانتشار المعلومات المضللة عبر منصات التواصل يسهل تداول الأخبار الكاذبة ويجعل التمييز بين الحقيقة والزيف مرهقًا ومكلفًا للصحفي المحترف، والضغط من أجل السرعة قد يدفع إلى التضحية بالدقة فيخرج الخبر ناقصًا أو خاطئًا، كما أن الميل نحو صحافة الترند يجعل الاهتمام بالأرقام والمشاهدات يطغى على الأهمية الموضوعية للخبر، ويُختزل الإعلام إلى ضجيج بلا قيمة، فضلًا عن ضبابية المصادر التي تجعل التحقق من مصداقية الأخبار تحديًا مستمرًا، خصوصًا مع الصحافة المواطنية التي يشارك فيها أفراد عاديون. الصحافة وُصفت تاريخيًا بالسلطة الرابعة لقدرتها على كشف الحقائق ومساءلة السلطة، لكن عندما تترك الأدوات دون إطار مهني وأخلاقي تتحول هذه القوة إلى سلاح فتاك، ما كان يُفترض أن يكون وسيلة للمعرفة يتحوّل إلى آلية تهديد واستهداف، ويصبح الكتابة سهامًا موجهة تقضي على سمعة أو تهدد وجودًا.

إذا أردنا إنقاذ هذه المهنة والحفاظ على دورها المجتمعي، فلا بد من إعادة تأكيد مبادئ أساسية تتمثل في التدقيق والتحقق، المساءلة المهنية، تعزيز ثقافة المصادر الموثوقة، والالتزام بأخلاقيات النشر التي تحترم الكرامات وتمنع تحويل الإعلام إلى منصة للانتقام الشخصي أو التجييش.

نحن أمام مفترق طرق: إما أن تستمر الصحافة في أداء دورها الرفيع كمنارة للحق والمساءلة، أو أن تتحوّل إلى سوق مفتوحة للمتعهدين والصيادين الإعلاميين، والخيار مجتمعي ومهني وقانوني ويتطلب أن نستعيد المعايير ونحيي ضمير المهنة قبل أن تبتلعنا موجات الصوت العالي والفراغ المعرفي.