آخر تحديث :الإثنين - 08 ديسمبر 2025 - 12:02 ص

كتابات واقلام


الانتقالي في صياغة مشهد جديد

الأحد - 07 ديسمبر 2025 - الساعة 02:55 م

د.أمين العلياني
بقلم: د.أمين العلياني - ارشيف الكاتب


في منعطفٍ بالغ الحساسية والدقة، يبدو أن البوصلة السياسية تُعيدُ تحسُّسَ اتجاهاتها، لا في فضاءٍ من التجريد النظري؛ بل على أرض الواقع التي لا ترحمُ المتهاوِن في حساب تفاصيلها، ولا تُجاملُ من يتعامى عن تحولاتها الجيوسياسية والعسكرية المتسارعة على المشهد السياسي الجنوبي العربي واليمني والإقليمي والدولي؛ فالحديث اليوم يدور، ليس عن مجرد تعديلات هامشية أو تحسينات شكليّة، بل عن مجلسنا الانتقالي الجنوبي الذي يُعِدُّ حسابه لخيارٍ تكتيكيٍ استراتيجيٍ كبير، يُعيد رسم خريطة التحالفات والموازين، سعيًا نحو صناعة اتفاقٍ جديد برعي التحولات السياسية والأمنية والعسكرية على واقع الأرض لتتلاءمُ مقاساتها، بدقةٍ وحكمة، مع حجم التحرير والتطهير للأرض الفعلية المسيطر عليها، ومع حقائق اللحظة الراهنة التي تجاوزت بكثيرٍ أطرًا وأُطُرًا باتت أقرب إلى الذاكرة منها إلى واقع الحال.

لذا، فإن المشهد السياسي اليوم مقبلٌ على تغييراتٍ كبيرة ومتوقعة، هي من الضخامة والجذرية بحيثُ تُشكِّلُ نقلةً نوعية في المسار السياسي الجنوبي واليمني برمته، وأبرزُ هذه التغييرات، وهي الخطوة التي تُلوِّحُ بها قراءةُ التطورات بعمق، تتمثل في تجاوز اتفاق ظالم للجنوب قضى في تشكيل مجلس رئاسي من رئيس وأعضاء غير متكافئ في المعادلة السياسية وبالذات على الجتوب الذي ما زالت الأحزاب اليمنية لها السلطة السياسية عليه وليس أصحاب الأرض، وهو الاتفاق الذي وُلد في سياقٍ مختلف، وظروفٍ لم تعد قائمة، وأصبح – بحكم تبدُّد كثيرٍ من فرضياته التي بُني عليها – لا يتناسبُ مع الواقع الحالي بكل تعقيداته ومتغيراته الصلبة حتى تحوَّلت بنوده، في بعض جوانبها، من إطارٍ حاكمٍ للعملية السياسية إلى قيدٍ عليها، أو إلى مرجعيةٍ تتعارض مع منطق القوة والنفوذ الفعليين الموجودين في الميدان ومسرح عمليات الحرب أو إدارة متوجهات السلام التي لم تراع الأطراف الفعلية والقادرة على صناعة التحولات السياسية الواقعية.

إن هذه الخطوة، إنْ حصلت وفق التوقعات، فهي ليست مجرد مناورة سياسية عابرة، بل هي خطوةٌ كبيرة، وذكية، وضرورية؛ فهي كبيرة بحجمها؛ لأنها تلامسُ عصبَ المشكلة وتعترف بأن استمرارية العمل باتفاقاتٍ تجاوزها الزمنُ وتجاوزتها المعطياتُ هو استنزافٌ للجهد وإضاعةٌ للفرص من جهة، وذكية في توقيتها وطريقة طرحها من جهة ثانية، فهي تأتي كاستجابةٍ واعيةٍ لصرخة الواقع، وتقديرٍ عميقٍ لموازين القوى الجديدة، وإدراكٍ أن البقاء في مربع الماضي يعني الخروج من لعبة المستقبل، وضرورية من أجل استعادة المبادرة، وضخِّ دماءٍ جديدةٍ في شرايين العملية السياسية المتعثرة، وفتح نافذةٍ يَدخلُ منها أملٌ يحملُ معه مقاربةً أكثر واقعيةً، وأقل حَذَلقةً دبلوماسية من جهة أخيرة.

إن حديث عن أي صناعةَ لبنود اتفاق جديد تتطلبُ جرأةً في التفكير، وشجاعةً في التنفيذ، ونظرةً ثاقبةً ترفضُ أن تكونَ رهينةً لخطاباتٍ لم تعد تُقنع أحدًا، وأن أي تحوُّلٌ من سياسةِ الوثائق الجامدة إلى سياسةِ الأرض المتحركة، من منطقِ ما يجب أن يكون إلى واقع ما هو كائن بات وأصببح ضرورة ملحة وما خروج جماهير المجلس الانتقالي الجنوبي اليوم في الاعتصامات والمظاهرات في كل محافظاته الا واحدة من المظاهر الحضارية والتاريخية التي يجب لاي اتفاقيات جديدة أن تراعي هذه المصالح والوقائع الماثلة على الأرض وليس تلك الأحلام الوردية التي يغرد بها اؤلئك الحالمون من أرض الشتات، لتكون النتيجة المتوخاة ليست انتصار طرفٍ على آخر، بل هي انتصارٌ للمصلحة العليا وللحل الذي يستطيع أن يعيشَ بين الناس، لا أن يبقى حبيسَ الأوراق. فهل تكونُ هذه هي اللحظة الحاسمة التي يبدأ فيها المشهدُ السياسي فصلَه الجديد، بكل ما يحمله من تحدياتٍ وآمال؟ الوقتُ كفيلٌ بالإجابة، لكن المؤكد أن رحى التغيير قد بدأتْ في الدوران ولن يتوقف والمجلس الانتقالي الجنوبي هو الطرف الأقوى والفاعل والشرعي في معادلة الحل في مستجدات الواقع وافرازاتها وأتمنى أن لا يخذل من قبل الرعاة الدوليين والاقليمين.