آخر تحديث :الإثنين - 08 ديسمبر 2025 - 07:14 م

كتابات واقلام


الاستقلال الاقتصادي: الممر الإجباري لسيادة الجنوب الدائمة على كل شبرٍ من أراضيه

الإثنين - 08 ديسمبر 2025 - الساعة 06:35 م

محمد علي محمد احمد
بقلم: محمد علي محمد احمد - ارشيف الكاتب


​لقد كانت الأهداف السياسية والتحرر من التبعية السياسية هي المحرك الرئيسي للصراعات، لكن التجارب الحديثة أثبتت بما لا يدع مجالاً للشك أن السيادة السياسية التي لا تدعمها سيادة اقتصادية قوية، ماهي إلا بناء هش وعرضة للانهيار.

ففي قضية الجنوب المحورية، لا يمكن التفكير في بناء كيان مستقر مستقل، قبل تحقيق فك الارتباط الاقتصادي الكامل عن من لازال يحمل أدوات (المركز) والتي سعت أطرافاً إقليمية ودولية لأهداف واضحة من خلال تمكين ما تسمى بالشرعية بتلك الأدوات، وذلك عبر تحرير الموارد وتفعيل الأصول المعطلة،فالاستقلال الاقتصادي ليس مجرد هدف تكميلي أو رفاهي، بل هو الضرورة الاستراتيجية التي يجب تحقيقها أولاً لضمان السيادة الدائمة.

ولا شكك بأننا ندرك أن ​الخطر الأكبر على أي مشروع سيادي في الجنوب يكمن في بقاء نقاط التبعية الاقتصادية التي يستخدمها الطرف الآخر كورقة ضغط سياسية مستمر، فمثلاً اعتمادنا على إمدادات الوقود والغاز القادمة من الشمال، يضع الأمن الخدمي للجنوب، خاصة الكهرباء والمواصلات، تحت رحمة القرارات السياسية للطرف المسيطر على تلك الموارد، وهذا الوضع يخلق حالة ابتزاز مستمرة تهدد الاستقرار الداخلي، يضاف إلى ذلك مركزية الإيرادات، حيث أن الجنوب يضم أهم الموانئ والممرات المائية والمنابع النفطية ومصفاة عملاقة وخزانات استراتيجية، لكن آليات تحصيل الإيرادات والتحكم النقدي لا تزال تواجه تحديات مرتبطة بالصراع على المؤسسات المالية، مما يمنع الجنوب من استخدام ثرواته لتمويل خدماته الحيوية بشكل مستقل.

لذا ف​إن الطريق لتحقيق السيادة الاقتصادية يبدأ من تفعيل الأصول التاريخية التي أهملت لعقود، ولا يمكن بناء دولة قوية بالاعتماد على المساعدات الخارجية، بل باستغلال الإمكانات الذاتية المتاحة، وتمثل مصافي عدن حجر الزاوية في هذا المشروع، فتفعيل هذه المصفاة التاريخية ذات القدرة التكريرية العالية وتأمين إمدادها بالنفط الخام المحلي سيمكن الجنوب من تحقيق الاكتفاء الذاتي الكامل من المشتقات النفطية، والأثر الاستراتيجي لذلك هو التحرر الفوري من الحاجة إلى الاستيراد أو الإمدادات الخارجية، وتوفير العملة الصعبة، كما يجب تحويل ميناء عدن من مجرد ميناء خدمي إلى مركز إقليمي تنافسي في التجارة الدولية، عبر إعادة تأهيله بالكامل وتأمين ربطه بالمناطق الاقتصادية، مما يضمن تدفقاً ثابتاً للإيرادات الدولارية، ومن الضروري أيضاً أن تفرض السلطات الجنوبية التحكم المباشر والكامل على عائدات النفط والغاز المنتجة محلياً وتوجيهها بشفافية مطلقة نحو تمويل الرواتب والخدمات الأساسية.

و​عندما ينجح الجنوب في بناء اقتصاده على أسس متينة، يصبح قادراً على تمويل ميزانيته ورواتب موظفيه دون رهانات خارجية، وهذا يحول دفة الميزان السياسي بشكل جذري، فالاستقرار الاقتصادي يمنح الجنوب قوة الموقف التفاوضي، مما يجعله يجلس على طاولة المفاوضات السياسية والاقتصادية من موقع القوة وليس الضعف، فالدولة المستقرة اقتصادياً لا يمكن تهديدها بتوقف إمدادات الوقود أو قطع الرواتب، علاوة على ذلك، فإن توفير الخدمات الأساسية وضمان استقرار العملة ودفع الرواتب بانتظام يمنح المشروع السياسي الشرعية الشعبية التي لا تقهر، ويحول أي صراع عسكري أو سياسي إلى صراع دفاعي عن إنجازات المواطن اليومية.

​ختاماً، يمكن القول إن استمرار الفراغ الاقتصادي سيجعل أي إنجاز عسكري أو سياسي ضعيفاً جداً وقابلاً للإنكسار ، وعليه يجب على القيادات الجنوبية توجيه الأولوية المطلقة نحو استعادة وتفعيل الأصول الاقتصادية الحيوية مثل المصافي والموانئ وغيرها من المؤسسات الأيرادية الهامة ، لكون الاستقلال الاقتصادي يمثل البنية التحتية الضرورية التي لا يمكننا تحقيق الاستقلال الكامل، ولا لأي سيادة أن تقوم أو تستمر بدونها.