آخر تحديث :الأربعاء - 10 ديسمبر 2025 - 01:15 ص

كتابات واقلام


غسيل سياسي لإعادة الإخوان داخل التكتلات اليمنية

الأربعاء - 10 ديسمبر 2025 - الساعة 12:01 ص

عبدالمجيد زبح
بقلم: عبدالمجيد زبح - ارشيف الكاتب


في لحظة تاريخية يتشدد فيها العالم بأسره من واشنطن الى العواصم الاوروبية ومن القاهرة الى ابوظبي والرياض في مواجهة جماعة الاخوان المسلمين وتتسابق الدول الى تجفيف منابعها واقتلاع شبكاتها الممتدة تتصرف الساحة اليمنية وكأنها معزولة عن هذا الادراك الدولي المتصاعد ففي الوقت الذي تعلن فيه دول الاقليم ان اي علاقة تدار في الظل مع الاخوان تمثل تهديدا مباشرا للامن القومي تظهر في اليمن خطوة سياسية صادمة يقودها طارق صالح عبر مكتبه السياسي وكتلته البرلمانية خطوة توحي بان البلاد تعيد فتح الابواب التي اغلقت ذات يوم بثمن باهظ.

ورغم ان المزاج الاقليمي يسير نحو كبح تمدد الاخوان تنكشف في اليمن عملية لا يمكن وصفها الا بانها اعادة هندسة ناعمة لوجود الجماعة داخل المشهد ولكن بوجوه تم اعادة طلائها ومسميات تم اختيارها بعناية لتبدو مستقلة ووطنية بينما جذورها وادوارها السابقة ليست مجهولة لاي متابع ضم نواب وشخصيات ارتبطت لعقود بمشروع حزب الاصلاح وهو الذراع السياسية للاخوان في اليمن لا يشكل مجرد توسعة سياسية بل يمثل عودة مدروسة لتيار اعتاد تغيير لافتاته كلما ضاق به الطريق عودة تجري تحت مظلة تكتل يحظى بدعم اقليمي كبير ما يجعل الاسئلة اكثر الحاحا والقلق اكثر مبررا

ضم عدد من الشخصيات البرلمانية الى تكتل طارق صالح وفي مقدمتهم البرلماني محمد ورق نائب رئيس المجلس الاعلى للمقاومة الشعبية لا يمثل مجرد حركة سياسية عابرة بل هو انتقال محسوب لوجوه قضت سنوات طويلة في قلب مشروع الاخوان في اليمن وتم تقديمها اليوم كعناصر مستقلة وكأن تغيير الصفة ظاهريا يغير الذاكرة السياسية ومواقع الارتباط الاساسية وهذا المجلس نفسه لم يكن يوما بعيدا عن الهيمنة الفكرية والتنظيمية للاخوان بل كان احد منصاتهم البديلة حين تراجعت قدرة الحزب على العمل تحت اسمه الصريح.

السؤال الذي يتكرر بصوت عال في اروقة التحليل الاقليمي هو كيف يتم تسخير الدعم الاقليمي وخاصة الدعم الاماراتي المخصص بالاساس لمواجهة الحوثيين والتنظيمات الارهابية في عملية بناء اصطفاف جديد يستوعب شخصيات ذات تاريخ اخواني واضح؟

من غير المنطقي ان دولة مثل الامارات التي تمتلك احد اكثر انظمة الرصد والتتبع تطورا في المنطقة تجهل الخلفيات السياسية الدقيقة لهذه الشخصيات فالامارات من اوائل الدول التي صنفت الاخوان في خانة التهديدات المباشرة لامنها القومي فهل يعقل ان التقييم في الساحة اليمنية يعتمد على قاعدة استثناء ظرفي ام ان هناك من يقدم هذه الاسماء بواجهات تجميلية بحيث تظهر وكأنها جزء من مشروع وطني شامل بينما حقيقتها التنظيمية لم تتبدل.

فما يجري يكشف خللا عميقا في طريقة التعاطي مع ملف القوى اليمنية فبدلا من بناء كتلة سياسية جديدة قادرة على تمثيل مشروع وطني بعيد عن الامتدادات الايديولوجية يجري تجميع شخصيات ذات صلات راسخة بالاخوان وكأن المطلوب هو تخفيف لهجة الهوية لا تغيير الهوية نفسها وهذا ليس سوى تكرار خطير للتجربة ذاتها التي تحالفت فيها السلطة في الماضي مع القوى الايديولوجية تحت عنوان التخادم الوطني وصولا الى النتائج الكارثية التي نراها اليوم.

الحالة الاكثر دلالة هي حالة محمد ورق الرجل لم يكن اسما ثانويا او موظفا عاديا في مقاومة عابرة بل كان جزءا من هيكل تم تصميمه بدقة ليكون امتدادا للاخوان في مرحلة ما بعد الدولة حين اصبح العمل تحت المسميات التقليدية مكلفا او مكشوفا وانتقاله الى كتلة طارق صالح لا يمكن تفسيره بالصدفة او بحسابات شخصية بل هو جزء من عملية اعادة تموضع سياسية تهدف الى ضمان حضور تيار الاخوان داخل اي تشكيل جديد يبدأ في اكتساب قوة ميدانية او دعم اقليمي.

والاكثر لفتا للنظر هو ان عملية اعادة تدوير هذه الوجوه تتم في وقت يشهد فيه الاقليم اوسع حملة تقليص لنفوذ الاخوان منذ عقود ومع ذلك يبدو ان اليمن تتعامل مع الامر وكأنه فقاعة خارج الزمن فمجرد تغيير اللافتة من الاصلاح الى مستقل او مقاومة شعبية او اصطفاف وطني يجعل من الماضي كومة اوراق يمكن رميها في سلة النسيان وهذا النهج ليس سوى محاولة مكررة لاعادة بناء نفوذ اخواني بغطاء جديد وسط تحالفات لم تخلق لهذا الهدف اصلا.

المشهد برمته يظهر ان اليمن مهددة بالدخول في دورة جديدة من التخادم السياسي حيث يتم تقديم الشخصيات ذات التاريخ الايديولوجي الثقيل ضمن تكتل مدعوم اقليميا ما يجعل من المشهد اقرب الى عملية غسل سياسي تصنع داخلها قيادات بوجوه محايدة ظاهريا بينما هي امتداد واضح لمشروع ظل لعقود احد مصادر التوتر والانقسام.

وهذه ليست مجرد قراءة ناقدة بل تحذير من ان الاستهانة بهذه التحولات قد تفتح الباب امام موجة جديدة من اعادة تموضع الجماعة داخل المعادلة اليمنية ولكن هذه المرة بغطاء اقوى وبحصانة مستمدة من دعم اقليمي يفترض انه موجّه ضد المشاريع العابرة للحدود لا الحاضنة لها.

ان تجاهل هذه الديناميكيات لا يخدم الاستقرار في اليمن ولا في الاقليم فادخال شخصيات ذات ارتباطات واضحة بالاخوان الى كتل سياسية تتلقى دعما عسكريا وسياسيا كبيرا يمثل ثغرة استراتيجية لا يمكن التعامل معها كجزء من التنوع السياسي بل كاعادة هندسة لهوية مشروع كان من المفترض ان يكون نقيضا لهذه التيارات تماما.