آخر تحديث :الأربعاء - 10 ديسمبر 2025 - 12:57 م

كتابات واقلام


البيان الأخير للأحزاب اليمنية… بين سقوط الحجّة ووضوح الحقيقة الجنوبية

الأربعاء - 10 ديسمبر 2025 - الساعة 12:50 م

المحامي جسار فاروق مكاوي
بقلم: المحامي جسار فاروق مكاوي - ارشيف الكاتب


المحامي/ جسار فاروق مكاوي
10ديسمبر 2025م

أصدرت مجموعة من الأحزاب والمكونات اليمنية بيانًا في 9 ديسمبر 2025م، حاولت من خلاله شنّ هجوم سياسي على المجلس الانتقالي الجنوبي، مستندة إلى جملة من الادعاءات التي لا ترتقي إلى مستوى الحقائق ولا تتسق مع الواقع السياسي والقانوني الراهن.
ومع أن تلك البيانات تكررت في محطات عديدة، إلا أن توقيتها اليوم يكشف عن حالة ارتباك سياسي لدى هذه الأطراف، في مقابل ثبات الرؤية الجنوبية ووضوح مشروعها.
اتفاق الرياض… الذي نسوه وتناسوه
منذ توقيع اتفاق الرياض عام 2019م، باتت الشراكة بين المجلس الانتقالي الجنوبي والحكومة اليمنية أمرًا مُلزِمًا لجميع الأطراف.
الاتفاق لم يمنح أحدًا صلاحية التفرد أو الإقصاء، بل أعاد تنظيم السلطة على قاعدة التوازن والشراكة.
وبالتالي، فإن اتهام المجلس الانتقالي باتخاذ “إجراءات أحادية” ليس مجرد تجاهل للاتفاق، بل محاولة لطمس حقيقة أن هذه الأحزاب نفسها عطلت الاتفاق لسنوات ورفضت تنفيذ بنوده حين كانت السلطة مركزة بيدها.
إعلان نقل السلطة… حقيقة لا يريدون الاعتراف بها
مع صدور إعلان نقل السلطة 2022م، تحوّلت إدارة المرحلة إلى مجلس قيادة يضم مكوّنات أساسية، من بينها المجلس الانتقالي الجنوبي.
هذا الإعلان ألغى عمليًا احتكار القرار الذي مارسته تلك الأحزاب عقودًا.
لذلك، فإن الادعاء بأن هذه الأحزاب “مرجعية الدولة” لا يستند لأي أساس قانوني، بل يعكس محاولة إحياء نفوذ لم يعد قائمًا.
القوات الجنوبية… على أرضها لا “قادمة من خارجها”
ومن أكثر الادعاءات غرابة ما ورد في البيان حول “قوات جنوبية وافدة” تتحرك في شبوة وحضرموت والمهرة.
هذا التوصيف لا يعبّر إلا عن جهل بالواقع الجغرافي والقانوني:
فهذه المحافظات جزء من الجنوب، ومن الطبيعي أن تتحرك فيها قوات جنوبية ضمن نطاق اختصاصها.
أما القوات التي فُرضت على الجنوب من تعز ومأرب خلال سنوات سابقة، فهي وحدها التي يمكن توصيفها كقوات وافدة، وليست القوات التي تتحرك داخل أرضها.
خطاب الإقصاء… من يمارسه فعلًا؟
اللافت أن الأحزاب التي تصف مواقف الانتقالي بأنها “أحادية” هي ذاتها التي مارست الإقصاء لأكثر من ربع قرن:
عطلت اتفاق الرياض،
سيطرت على مؤسسات الدولة،
أفشلت الشراكة،
ثم تتحدث اليوم عن “رفض الانفراد”!
هذا التناقض الفاضح يكشف أن المشكلة ليست في ما يفعله الجنوب، بل في ما فقدته هذه الأطراف من نفوذ.
الدولة المنهارة… لا يمكن التذرع بها ضد الجنوب
محاولة استدعاء “الدولة اليمنية” كمسوغ سياسي لمهاجمة الجنوب تجاهلت حقيقة يقرّ بها المجتمع الدولي:
لا توجد دولة مؤسسية قائمة منذ سقوط صنعاء عام 2014م،
والمجلس الانتقالي يعمل اليوم في فراغ سيادي،
وضمن إطار شراكة رسمية معترف بها.
وبالتالي، فإن توصيف أي خطوات جنوبية بأنها “خارج الدولة” أمر غير منطقي، لأن الدولة التي يتحدثون عنها قائمة نظريًا فقط، ومنهارة فعليًا.
الاعتراف بالقضية الجنوبية… الذي حاولوا إخفاءه
المفارقة أن البيان نفسه يعترف – ضمنيًا – بخصوصية القضية الجنوبية كقضية ذات إطار خاص، وهذا يعكس أمرين أساسيين:
1. وجود طرف يمثل الجنوب، وهو المجلس الانتقالي.
2. أن أي عملية تفاوض مستقبلية لا يمكن أن تتم بدون الاعتراف بالجنوب ككيان سياسي له شراكته ومطالبه.
هذا الاعتراف غير المقصود يسقط جزءًا من الخطاب الذي تحاول تلك الأحزاب إعادة تدويره.
قيمة البيان… سياسية فقط وغير ملزمة
من الناحية القانونية، هذا البيان:
لا يلزم أحدًا،
لا يمثل مؤسسة تنفيذية،
ولا يمتلك أي أثر قانوني أو دستوري.
هو ببساطة موقف سياسي لأحزاب فقدت أرضيتها في الجنوب وتحاول التعويض عبر البيانات.
خلاصة الموقف
إن هذا البيان لا يغير شيئًا من الواقع السياسي:
المجلس الانتقالي الجنوبي شريك رسمي في السلطة،
وله تمثيل سياسي وعسكري على كامل جغرافيا الجنوب،
ومعترف به محليًا وإقليميًا ودوليًا،
ويمارس دوره وفق اتفاقات واضحة وملزمة.
أما محاولات التشويش التي تطلقها بعض الأحزاب اليمنية فلم تعد تقنع الداخل ولا الخارج، لأنها تستند إلى خطاب يتجاهل المتغيرات الكبرى التي شهدتها الساحة خلال السنوات الماضية.
لقد أصبح واضحًا أن الجنوب يسير نحو هدفه بثبات، وأن هذه البيانات ليست سوى صدى لتراجع نفوذ تلك الأطراف أمام مشروع جنوبي واضح الرؤية، قوي الحضور، ومحكم الأساس القانوني والسياسي.