آخر تحديث :الأربعاء - 17 ديسمبر 2025 - 01:55 ص

كتابات واقلام


قلق طهران… حين يتحدث صانع الانقسام بلسان الوحدة

الأربعاء - 17 ديسمبر 2025 - الساعة 01:13 ص

المحامي جسار فاروق مكاوي
بقلم: المحامي جسار فاروق مكاوي - ارشيف الكاتب


ليس مستغربًا أن تصدر طهران بيانًا “غير مسبوق” تعبّر فيه عن قلقها مما يجري في الجنوب، فحين يفشل المشروع، يعلو صوت التحذير، وحين تُقطع الأذرع، يبدأ الحديث عن “وحدة الدول” و“سيادتها”. غير أن المفارقة الفاقعة في الخطاب الإيراني تكمن في أن الجهة التي تتباكى اليوم على وحدة اليمن، هي ذاتها التي أسست، ومولت، وسلّحت، وأدارت واحدة من أخطر أدوات التفكيك في المنطقة العربية عبر جماعة الحوثي.

إن حديث المتحدث باسم الخارجية الإيرانية عن أن ما يجري في الجنوب “يجب أن يثير قلق دول المنطقة”، لا يمكن قراءته إلا بوصفه اعترافًا ضمنيًا بتضرر المخططات الإيرانية، بعد النجاحات المتراكمة التي حققتها القوات المسلحة الجنوبية في تجفيف منابع التهريب، وإفشال تحويل الجنوب إلى ممر مفتوح للسلاح والمخدرات، ومسرح للفوضى العابرة للحدود. فهذه النجاحات لم تضرب الحوثي كأداة فحسب، بل أصابت جوهر المشروع الإيراني في خاصرته الإقليمية.

الأكثر إثارة للسخرية السياسية هو تحذير طهران من “تفكيك وتقسيم دول المنطقة”، في وقت لم يكن فيه أي مشروع تفكيكي في العالم العربي أكثر وضوحًا وتنظيمًا من المشروع الإيراني نفسه؛ مشروع يقوم على إضعاف الدولة الوطنية، وتغذية الهويات ما دون الدولة، وخلق مراكز قوة موازية للشرعية، تدين بالولاء العقائدي والسياسي للخارج لا لأوطانها. من بغداد إلى دمشق، ومن بيروت إلى صنعاء، تتكرر ذات المعادلة: دولة منهكة، وميليشيا متضخمة، وسيادة معلّقة.

أما دعوة إيران إلى “حوار بين مختلف الأطراف اليمنية”، فهي دعوة لا تنفصل عن رغبتها في إعادة تدوير نفوذها سياسيًا بعد انحساره ميدانيًا، ومحاولة منح وكلائها فرصة جديدة على طاولة السياسة بعد أن فشلوا في فرض مشروعهم بالقوة. وهو خطاب يلتقي – للأسف – مع مواقف بعض قوى الأحزاب اليمنية التي لا تزال أسيرة منطق المصالح الضيقة، وتتعامل مع الجنوب بوصفه ورقة تفاوض لا باعتباره واقعًا سياسيًا وشعبيًا تشكّل بفعل التضحيات والدماء.

إن الجنوب لم يتحرك يومًا لتفكيك اليمن، ولم يذهب لفرض إرادته على أحد، بل تحرك لحماية أرضه وشعبه، والدفاع عن أمنه وهويته، في مواجهة مشروع إقليمي عابر للحدود، لم يجلب للمنطقة سوى الخراب والانقسام. وما تصفه طهران اليوم بالقلق، ليس سوى ارتباك مشروع أمام سقوط سردياتها، وانكشاف خطابها المزدوج، وعجز أدواتها عن تغيير مسار الأحداث.

وفي النهاية، فإن من يريد حقًا وحدة الدول وسيادتها، لا يمر عبر بوابات الميليشيات، ولا يتحدث بلغة الوصاية، ولا يصادر إرادة الشعوب. أما الجنوب، فقد قال كلمته بالفعل، لا في البيانات، بل على الأرض.