آخر تحديث :الأربعاء - 24 ديسمبر 2025 - 11:59 م

كتابات واقلام


أسطورة الصراع

الأربعاء - 24 ديسمبر 2025 - الساعة 09:55 م

المحامي جسار فاروق مكاوي
بقلم: المحامي جسار فاروق مكاوي - ارشيف الكاتب


في كثير من الصحف العربية نلاحظ تكرارًا منهجيًا لنمط محدد من الكتابة يهدف إلى خلق صورة غير واقعية للجنوب و كأن هذه الأرض هي ملعب دائم للحروب و الصراعات التي لا تنتهي. تلك الأقلام المعروفة و التي يحمل اسمها وزنًا إعلاميًا و ثقافيًا لا تقدم تحليلاً موضوعيًا بل تصنع أسطورة الصراع و تغذي صورًا نمطية تشوش على الواقع. ما يفعله هؤلاء الكتاب ليس مجرد مبالغة عابرة بل هو عمل مخطط يهدف إلى تفخيم جماعة الحوثي و تحويلها إلى قوة أسطورية تتجاوز واقعها الفعلي و كأنها تحيا عبر روابط خفية تمتد إلى الإرث الرمزي لحسن نصر الله أو عبر ((تقية)) ساداتها و ساحات نفوذها لتمنحهم شرعية غير موجودة على الأرض.

كل مقالة من هذا النوع تعتمد على تضخيم الفاعلين المحليين إلى ما يشبه الأساطيل البحرية أو الجيوش التي لا تُقهَر و في المقابل تقزم القوى الوطنية الحقيقية فتُصوَّر المقاومة الجنوبية و المقاومة المنظمة على أنها أقل تأثيرًا أو مجرد خلفية في ملحمة عربية قديمة. يتم اللجوء إلى الشعر العربي أو الاقتباسات التاريخية حتى من شخصية مثل تشرشل ليس من أجل التحليل بل لتزييف الواقع و منح خطابهم تأثيرًا عاطفيًا يبدو و كأنه شرعي و ثقافي. و النتيجة دائمًا واحدة تحويل مأساة الناس اليومية إلى قدر ((جميل)) و كأن الحرب جزء طبيعي من حياة الجنوب بينما الواقع يقول إن المدنيين يعانون و يكافحون من أجل حياتهم اليومية و إعادة بناء وطنهم.

الغريب أن هؤلاء الكتاب غالبًا ما يتجاهلون السياق الدولي قوة الأطراف قواعد الاشتباك الحقيقية أو المصالح الإقليمية فيصنعون من الجنوب مسرحًا للأساطير و الخرافات عبر هذا التكرار يصبح القارئ العربي أسير الصور المبالغ فيها بعيدًا عن قراءة الواقع بموضوعية و يظن أن أي مقاومة حقيقية هي مجرد تفاصيل ثانوية أمام الأساطيل الأسطورية التي اخترعوها.

الجنوب ليس مجرد (ملحمة حرب مستمرة) و لا خصومه هم أبطال تاريخيين يخرجون من الماضي عبر الروابط و التقية بل هو أرض مأهولة بشعب يعيش و يتحدى الظروف و يصر على استعادة دولته و بناء مؤسساته كل محاولة إعلامية لتجميل الحوثيين أو ربطهم بما تبقى من إرث حسن نصر الله عبر التقية هي خداع موجه لتشويه المشروع الوطني الجنوبي و لإضعاف وعي الجمهور بما يحدث فعليًا على الأرض و ما يحتاجه الجنوب اليوم ليس الأساطير بل تحليلاً دقيقًا كشفًا للحقائق و إعادة إنتاج سردية وطنية موضوعية تبين الواقع كما هو بعيدًا عن التضليل الذي يسعى إلى تحويل شعب الجنوب إلى جمهور متفرج على أساطير صراع لم تصنعه هذه الأرض.