آخر تحديث :الثلاثاء - 09 ديسمبر 2025 - 12:30 ص

كتابات واقلام


العند ..بين ارادة المقاومين ورغبات الشرعية

الأربعاء - 29 يوليو 2020 - الساعة 08:14 م

علي صالح محمد
بقلم: علي صالح محمد - ارشيف الكاتب


ما زال الجدل يدور بين الأوساط المختلفة عن الضربة الجوية التي تعرض لها المقاتلين في جبهة سيلة بله يوم امس الاثنين الثامن والعشرين من يوليو ،وراح ضحيتها عدد كبير من القتلى والمصابين اغلبهم من مقاتلي حالمين كما ورد في الأنباء ، وحتى اليوم لم يصدر اي تفسير او توضيح من قبل آيه جهة الامر الذي ترك المجال مفتوحا للتكهنات والتفسيرات المختلفة وايضا للاجتهادات في تحليل وتعليل ما جرى ، خصوصا وان ذلك يحدث عقب الإعلان عن الهدنة الثالثة باسم الإنسانية مع وقف التنفيذ من قبل كل الأطراف كما هو الحال في كل مره .
وزير الخارجية اليمني رياض ياسين يقول في لقاء متلفز مساء الثلاثاء على قناه الحدث ، ان ما يؤخر معركة الحسم في العند هو وجود اسرى ومعتقلين لدى قوات الحوثي وصالح ، وهذا التصريح الذي يلي حادثة قصف المقاتلين في سيلة بله بيوم واحد يفسره بعض المهتمين والمتابعين ، بانه يأتي ليغطي الموقف الحقيقي لدى ما يسمى بالشرعية لإزالت الظنون والشكوك التي انتابت الكثير ازاء حقيقة الموقف من جبهة العند فيما لو تمكن المقاتلين المتمركزين في جبهة سيلة بله - والمنتظرين للحظة التقدم منذ أشهر - من حسم معركة اقتحام قاعدة العند والسيطرة على المثلث ، وهو الامر الذي قد يشكل فيما لو تم أضعافا لموقف الشرعية وإحراجا لموقف دول التحالف ، لما يمكن ان يحققه هذا الحسم ً من نتائج لصالح قوى المقاومة الجنوبية على صعيد تعزيز موقفها ، وموقعها وخياراتها في المعادلة السياسية ، واي تسوية سياسية قادمة للقضية الجنوبية لاستعادة الحق والتوازن المفقود ، خصوصا بعد تقدم المقاومة في عدن بدعم قوى التحالف ، وفي ظل اختلال الموقف في ابين ، وغياب الوعاء الضابط والمسيطر على حركة فصائل المقاومة المتعددة الاتجاهات والانتماءآت وما يمكن ان ينشأ عن ذلك من اوضاع قد تخرج عن سيطرة وإرادة ما تسمى بالشرعية في حال عودتها الى مربع انطلاقها حين قدمت الى عدن ، لتمارس مجددا حضورها السلبي الذي تسبب في كل ما جرى من دمار وخراب ، وجعل من عدن والجنوب ساحة للصراع وتصفية الحساب بين الخصوم ، وهم الذين تحالفوا واشتركوا في غزو واحتلال الجنوب في عام ١٩٩٤ وتمكنوا من تصفية وطمس نظام الجنوب الذي مثل ثنائي مشروع الوحدة ،لينتصر انفصال نظام الجمهورية ألعربية اليمنية على كامل أراض الجنوب تحت شعار ( الوحدة او الموت) وباسم تحرير الجنوب من الكفار .
ويرى الكثير من المتابعين ان عملية استحضار الصراعات السابقة والموقف من قضية الجنوب هو ما يشكل ويجمع موقف قوى الشرعية وتحفظاتها وتخوفاتها حد التعطيل والإعاقة لاي تقدم قد تحرزه المقاومة الجنوبية بخاصة في منطقة المثلث والعند لان ذلك ربما يفقدها امكانية السيطرة على مقاليد الأمور وفقا لمشروعها المعلن او الغير معلن والمتفق بشأنه مع دول التحالف ، وهذا الموقف يخلق حسب كثيرين مشاعر القلق والريبة لدى قوى المقاومة الجنوبية المستميتة في الدفاع عن ارض الجنوب وقضية وجودهم على ارضهم وحقهم فيها ، بعد ان فرض عليهم القتال والنزال مجددا من قبل نفس القوى الشمالية المتصارعة على السلطة والثروة وهذه المرة تحت مسمى ملاحقة التكفيريين .
وهنا فان دول التحالف تتحمل اليوم كامل العناء ووزر الارتباط والاعتماد على هذه القوى الممتد لعقود ، ولعل تجربة الحرب ونتائجها المريرةوالقاسية على الجميع قد أكسبتها المعرفة اللازمة بمكامن السلب والإيجاب لهذا الاعتماد والتعامل ، و حقيقة ومصداقية مشاريع وتوجهات كل طرف على الارض وما يمكن ان تفرزه هذه الحرب من قوى ومن نتائج ومن اوضاع غير محسوبة ، قد تمثل تسوية حقيقيةوعادلة ،للقضية الجنوبية وحل لجوهر الصراع الشمالي - الجنوبي ، او قد تؤسس لمراحل صراع جديدة حتى بين القوى الجنوبية - الجنوبية ذاتها ، او بين الجنوب والشمال بتوجهاته المذهبية والجهوية والسياسية المختلفة .
وهنا وبعد كل هذا العناء تاتي مسؤلية دول التحالف تجاه ما يجري وما سيجري ، وان كانت محكومة في الوقت الحاضر ومنذ بداية الحرب بالتزامات معينة وفقا لحسابات وسيناريوهات معدة سلفا لتحقيق أهداف وغايات يحكمها الصراع المحلي والاقليمي والدولي ، تاتي مسؤليتها في احكام السيطرة على الخواتم والنتائج المترتبة ، بما ينسجم وآمال واحلام الناس في التحرر والانعتاق واستعادة الحق المسلوب لشعب عانى وما زال يعاني من ويلات الحروب والدمار التي اشتركت وتسببت فبها قوى ليس لها هم سوى السلطة والثروة وبسبب من ذلك شهد الجنوب واليمن هذه المأساة وهذا الدمار وهذا الخراب الذي سيكون له تداعياته المؤسفة على الجميع .
مسؤلية دول التحالف ان تضع نصب أعينها حقائق الأمور واهمها حق شعب الجنوب في استعادة دولته على ارضه ، وليس استعادة سلطة من تسبب في احتلال الجنوب ونهبه طيلة عقدين من الزمان ليمارس مجددا النهب والفيد بخاصة بعد هذا الدمار المعيب للبلاد والعباد.
الجنوبيون ضحوا كثيرا من اجل الوحدة ، وفشل مشروعهم ،بسبب قوى الفيد والخراب التي حققت الانفصال بحرب ١٩٩٤، وهاهم اليوم بحربهم وغزوتهم الأبشع يحققون دمار وخراب بلاد اليمن بل وتقسيمها بعد ان افشلوا مشروع توحيدها وفشلوا في بناء الدولة العادلة فيها ، وفرضوا على الجنوبيين وبقوة السلاح واجبروهم على حمل السلاح ، بعد ان كانوا ولسنوات يناضلون في الساحات ويرفعون شعاراتهم السلمية ليس خوف او جبن بل لأنهم قد خبروا الحروب ويدركون جيدا ما تعنيه وما ينتج عنها من دمار للأرض والإنسان ولمقومات الحياة والتنمية الانسانية ، و لأنهم كما يقول الشاعر
على عهد قديم بان الظلم يلطم بالنعال
ويكظمون غيظهم عاما بعاما ويصبرون مثل أجواد الجمال ، فان غلبت جيوش الصبر ثاروا ، سيول الفجر تنذر بالزوال.
ومن حقهم اليوم ان يصنعوا مستقبل وجودهم على ارضهم بعد كل هذا الصبر والعناء والتضحيات الكبيرة ، وعلى الجميع احترام ارادتهم وتطلعاتهم بعيدا عن الاقصاء وعلى قاعدة الاحترام المتبادل والتنوع والتعايش واحترام المصالح والمنافع المتبادلة.

** نشر ف 29 يوليو2015م
ولاهميته نعيد نشره هنا..