في قلب حيّ الخساف بمدينة كريتر / عدن، وعلى سفح الجبل المطل على الحي، يقع ما تبقى من معبد "شري هينغراج" الهندوسي، ذلك المعلم التاريخي الذي شُيِّد في العام 1865 داخل كهفٍ طبيعي، والذي كان شاهدا على مرحلةٍ من التنوع الثقافي والديني والسكاني، حين كانت عدن مستعمرة بريطانية تحتضن كافة الجنسيات والأعراق والديانات.
لكن ما رأيته اليوم لا يمت بصلة لذاك المجد الذي تحدثت عنه كتب التاريخ. لا لافتة تشير للمكان، ولا سورٌ يحمي ما تبقّى من أنقاضه، بل مبنى خاوٍ تحوّل إلى سكنٍ خاص، محاطٌ بمقلبٍ للقمامة، في مشهدٍ لا يلخص فقط مأساة معبدٍ طُمست معالمه، بل يروي مأساة مدينةٍ بكاملها تنوء تحت وطأة التجاهل والتجهيل.
تحدثت إلى أحد كبار السن في الحي، لعلّي أسمع ما يضيء تاريخ هذا المكان، لكن إجابته كانت أكثر إظلامًا من ركام المعبد. قالها بصوتٍ حزين: "هذا المكان كان معبدًا للهندوس، لكننا لا نعرف عنه شيئًا اليوم". وكان لافتا أن من تجمهروا حولي لم يُبدوا إلا اندهاشا من مجرد سؤالي، وكأن التاريخ صار جرمًا، والسؤال عنه ضربًا من ضروب الغواية.
إنها ثقافة التكفير والرفض، تلك التي ترسّخت في الوعي الجمعي بعد سنوات الوحدة، والتي أكلت الأخضر واليابس من الذاكرة الجمعية لعدن.
فلا وزارة معنية بالتراث، ولا سياحة تحترم التاريخ، ولا وزير يسأل، ماذا بقي معالم من عدن؟
معالي وزير السياحة، السيد معمر الإرياني...
أشك، ومن حقّي أن أشك أنك تعلم بوجود هذا المعبد في هذا المكان القصي من مكتبك العامر بالإيمان، الإيمان بأن السياحة لا تزال قائمة في بلدٍ تم اجتثاث حضارته من جذورها.
ماذا بقي من عدن؟ المنارة التي جمعت الحضارات؟ المدينة التي كانت موئل الأديان واللغات والثقافات؟
معبد "شري هينغراج" ليس مجرد بناء من حجر، بل رمز لذاكرةٍ مشتركة، ومثال صارخ على الإهمال المتعمد، والتاريخ الذي يطمر بقرار لا يعلن، وسكوتٍ لا يغتفر، وأنت المتهم الأول والأخير.
فمن يرد الاعتبار لعدن؟
ومن يعيد كتابة تاريخها قبل أن يمحى تماما من وجدان أهلها؟
وهل نحتاج لمتحف نعلق فيه صور الأطلال... أم لضمير يفيق من غيبوبته؟
إلى الله المشتكى.