وسط حالة الجمود السياسي التي تكبّل المشهد اليمني منذ عامين، تلوح مؤشرات لبدء مشاورات الملف الإنساني بين الحكومة وجماعة الحوثي، في بارقة أمل قد تُحيي مسار المفاوضات المتعثرة، رغم القيود الأمريكية.
وكشفت مصادر حكومية يمنية لـ"إرم نيوز" أن جهودا إقليمية مكثّفة أسهمت في إعادة تنشيط ملف الأسرى والمختطفين، وفتح قنوات اتصال جديدة ساعدت في تليين الإجراءات الأمريكية المرتبطة بتصنيف الحوثيين "منظمة إرهابية أجنبية"، بما يسهّل من مهمة الوسطاء، لإطلاق جولة جديدة من المباحثات برعاية أممية.
عقبات مبكرة
وأوضحت المصادر أنه كان من المفترض انطلاق الجولة العاشرة من مفاوضات الأسرى مطلع الأسبوع الجاري في العاصمة الأردنية عمّان، "غير أن التلكؤ المعتاد من جانب ممثلي ميليشيا الحوثي أدى إلى تأجيلها بضعة أيام".
وأشارت إلى أن رئيس "لجنة الأسرى" التابعة للجماعة، عبدالقادر المرتضى، الذي غادر صنعاء إلى مسقط قبل أيام، امتنع عن التوجه إلى الأردن للمشاركة في المفاوضات، خشية استهدافه إسرائيليا أو تعرّضه لملاحقة أمريكية، باعتباره أحد القادة الخاضعين لعقوبات واشنطن؛ ما أدى إلى تأجيل انطلاق الجولة والاتفاق مبدئيا على اعتماد مسقط مقرّا لاجتماعاتها القادمة.
وأكدت المصادر حرص الحكومة على التعاطي الإيجابي مع كل الجهود الرامية إلى رفع المعاناة عن آلاف المحتجزين وأسرهم. مشددة على ضرورة توافر حسن النوايا لإنجاح هذه الجولة وإغلاق الملف وعدم تحويله إلى ورقة للمساومة السياسية.
من جهته، قال عضو الفريق الحكومي في مفاوضات الأسرى، ياسر الحدّي، إن الجلسة الافتتاحية للمشاورات من المقرر عقدها بالعاصمة العمانية مسقط يوم الخميس المقبل، أو مطلع الأسبوع الجاري على أكثر تقدير.
وبيّن الحدّي في تصريح لـ"إرم نيوز"، أن هناك آمالا كبيرة معقودة على هذه الجولة للوصول إلى اتفاق نهائي وفق مبدأ "الكل مقابل الكل"، لكنه أشار إلى أن ذلك مرهون بـ"مدى التزام الحوثيين وجدّيتهم في تنفيذ ما يتم التوافق عليه".
وتعود آخر عمليات تبادل الأسرى والمعتقلين بين الحكومة والحوثيين، إلى أبريل/ نيسان من العام 2023، أفرج خلالها عن قرابة 900 محتجز من الطرفين، تحت إشراف الأمم المتحدة واللجنة الدولية للصليب الأحمر.
ويأتي المسار الإنساني كاختبار حقيقي لمدى قدرة الأطراف على الفصل بين القضايا السياسية المقعّدة والملفات الإنسانية العاجلة، ومدخلا لإعادة بناء الثقة، إلا أن نجاحها هذه المرة مرهون بقدرة الوسطاء على تجاوز المناخ الإقليمي المتوتر.
توقيت غير مناسب
ويعتقد الباحث في "المركز اليمني للسياسات"، أحمد الشرجبي، أن التعقيدات المتعلقة بملف الأسرى ذاته وتعدد الأطراف المتصلة به، والتطورات الميدانية المفاجئة في جنوب شرقي اليمن، تجعل التفاوض غير مجدٍ ولن تكون له نتائج ملموسة.
وقال الشرجبي لـ"إرم نيوز"، إن مبدأ "الكل مقابل الكل" مصطلح فضفاض في ظل احتواء كشوفات الأسرى والمعتقلين على الكثير من الأسماء التي لا وجود لها أو الوهمية وأسماء معتقلين مدنيين، "وهذا ما لم يتم التوافق بشأنه حتى الآن، إلى جانب المعضلات المتعلقة برؤية الفريق الحكومي المكون من عدة مكونات سياسية وعسكرية، وتصاعد التباينات بعد أحداث حضرموت والمهرة".
وأشار إلى أن توقيت الجولة غير ملائم، مرجحا تأجيلها إلى ما بعد زوال جميع أسباب التوتر التي قال إنها تنعكس سلبا على أجواء التفاوض، ما يفقد الملف هدفه الرامي إلى تعزيز ثقة الأطراف والتمهيد لمرحلة جديدة من المشاورات.
إلى ذلك، وجّه 4 صحفيين يمنيين حكم الحوثيون عليهم بالإعدام سابقا، رسالة إلى المبعوث الأممي إلى اليمن، هانز غروندبرغ، طالبوه فيها بمنع مشاركة القياديين الحوثيين عبدالقادر المرتضى ونائبه مراد قاسم، في مفاوضات الأسرى، "والتعامل معهما كمنتهكي حقوق إنسان خاضعين للعقوبات الدولية وليس كأطراف تفاوضية في ملف إنساني".
واعتبر الصحفيون الذين اعتقلوا لسنوات في سجون الحوثيين، إشراك المرتضى في المشاورات الأممية "يتناقض مع القانون الدولي الإنساني ومبادي الأمم المتحدة، ويمنحه غطاء أمميا قد يسهم في استمرار الانتهاكات بحق المختطفين والمخفيين قسريا".
ثنائية التصنيف
ويقول رئيس منظمة "سام" للحقوق والحريات، توفيق الحميدي، إن تأثير التصنيف الأمريكي على الحوثيين في مسار التفاوض، يمكن قراءته في اتجاهين يتسمان بثنائية معقّدة، أحدهما يمكن أن يكون الفرصة، والثاني قد يتعلق بالعرقلة.
وأشار الحميدي لـ"إرم نيوز"، إلى أن مفاوضات الأسرى في السابق، كانت عبارة عن صفقات سياسية تتجاهل الانتهاكات الجسيمة التي ارتكبت ضد المعتقلين تعسفيا أو المخفيين والذين عُذّبوا في مراكز الاحتجاز، "في حين أن المفترض إخضاعها للتحقيق والمحاسبة وفق القانون الدولي والإنساني، ووفق مبدأ عدم الإفلات من العقاب".
ويرى أن التصنيف الأمريكي يفتح ملف الجماعة في إطار المساءلة الدولية، وتعزيز حق الضحايا وذويهم في الوصول إلى العدالة وعدم إغلاق ملف الإخفاء والتعذيب لدى الحوثيين.
وأضاف: "من الناحية الإنسانية، قد يعقّد التصنيف قنوات التواصل اللوجستي لدى الحوثيين وتمويلهم ومستوى قدرة وصول الوسطاء أيضا في التواصل المباشر، إضافة إلى تعلقه بسفر المفاوضين لدى الجماعة إلا بتنسيق عال".
وذكر أن تجارب اليمن مع أي عقوبات غير مصحوبة باستثناءات إنسانية "يمكن لها أن تتحول إلى حاجز، وهذا ما حدث حين رفض وفد الحوثيين التوجه إلى عمّان الأردنية، واتخاذ ذلك حجة لعرقلة أي مبادرات أو صيغة ما للتفاهم مع الحكومة الشرعية".
وخلص الحميدي إلى أن أثر التصنيف الأمريكي سيظل مرتبطا بكيفية إدارته: "فإما أن يتحول إلى إدارة ضغط تُسهم في حماية المعتقلين ودعم المسار الإنساني، أو يصبح عقبة إضافية في طريق المفاوضات".