تتصاعد النقاشات مجدداً حول مصير الوحدة اليمنية، في ظل التغيرات الجذرية التي شهدتها البلاد.
ويشير تحليل معمق للسياق التاريخي والسياسي للوحدة إلى وجود تناقضات واضحة بين أطراف الوحدة، تُلقي بظلالها على محاولات التمسك بها اليوم من قبل من "أجهزوا" عليها بالأمس.
وتشير المذكرات والشهادات السياسية لتلك الفترة إلى أن إعلان الوحدة عام 1990 لم يكن يحظى بإجماع شعبي وسياسي في الشمال، بل كان مدفوعاً بـ"نخبة سياسية قليلة" آمنت بضرورة الوحدة والاستفادة من "مدنية ونظام الجنوب" الذي كان يتمتع ببنية مؤسسية متقدمة نسبياً، وعلى النقيض، كانت هناك كتل سياسية واجتماعية شمالية تعتبر الوحدة تهديداً لبنى القوة التقليدية.
من الوحدة إلى "الاستباحة"
ويُعتبر صيف عام 1994 هو نقطة التحول القاتلة للوحدة، حيث تحولت "الوحدة الطوعية" إلى احتلال عسكري فرضته قوات الشمال على الجنوب.
و من أبرز الأدلة التي تُستخدم لتوصيف تلك المرحلة ما قاله المبعوث الدولي السابق للأمم المتحدة إلى اليمن، جمال بن عمر، في تصريحات متعددة، حيث أشار إلى أن الجنوب تعرض لـ"تدمير ممنهج" بعد حرب 1994، ويؤكد هذا التصريح، الصادر عن جهة دولية رفيعة، أن الأمر تجاوز "الأخطاء الإدارية" ليصل إلى مستوى "التدمير المنظم" للبنية التحتية والمؤسسات.
و وثقت تقارير محلية ودولية متعددة ما سُمي بـ"الإحالة القسرية للتقاعد" لآلاف الكوادر الجنوبية في القطاعين المدني والعسكري، واستبدالهم بشخصيات شمالية، مما أدى إلى تفكيك الدولة المدنية الجنوبية وفتح شهية النفوذ على موارد الجنوب.
وايضا تُعد قضية "الأراضي" دليلاً مادياً دامغاً، حيث وثقت لجان شعبية ورسمية استيلاء قيادات متنفذة شمالية على مساحات شاسعة من الأراضي والممتلكات في عدن والمحافظات الجنوبية.
واليوم، وبعد أن تغيرت المعادلة العسكرية والسياسية، وتبلورت القوى الجنوبية المطالبة بالانفصال، تبرز أصوات من الشمال تطالب بالحفاظ على الوحدة وتلوم الجنوب على محاولات الانفصال.
ويرى المحللون أن هذا "التباكي" يأتي في سياق يفتقر للمصداقية، لأنه صدر عن القوى التي كانت المستفيدة الأكبر من "استباحة الجنوب" خلال الفترة من 1994 وحتى 2015، وهي بالتحديد القوى التي يُنظر إليها على أنها قتلت الوحدة سياسياً ومؤسسياً وإنسانياً.