آخر تحديث :الأحد - 14 ديسمبر 2025 - 04:43 م

كتابات


من التحرير إلى الاستحقاق السياسي: هل يقود الزُبيدي الجنوب نحو إعلان دولته بالفعل؟

الأحد - 14 ديسمبر 2025 - 10:43 ص بتوقيت عدن

من التحرير إلى الاستحقاق السياسي: هل يقود الزُبيدي الجنوب نحو إعلان دولته بالفعل؟

كتب / خالد القادري


بعد سنوات من تأسيس المجلس الانتقالي الجنوبي، والتفويض الشعبي الواسع استطاع المجلس أن يفرض نفسه كقوة سياسية وعسكرية فاعلة، ويتقدم بثبات في المشهد الجنوبي، حتى وصل إلى موقع متقدّم في هرم السلطة، مستمدًا قوته من الشارع الجنوبي الذي وجد فيه الملاذ الأخير لقيادة مرحلة مفصلية، بعد عقود طويلة من النضال والكفاح في مختلف الساحات دون تحقيق أي انتصار حقيقي للقضية الجنوبية.


وخلال مرحلة الشراكة مع الحكومة، واجه المجلس الانتقالي الجنوبي تحديات ومعوّقات كبيرة، أبرزها الملفان الاقتصادي والخدمي، حيث انعكس تدهور العملة الوطنية، وارتفاع الأسعار، وغياب الخدمات الأساسية – وفي مقدمتها الكهرباء – بشكل مباشر على حياة المواطنين، الأمر الذي أدى إلى تآكل جزء من شعبية المجلس، وخلق حالة من السخط الشعبي، جعلت الانتقالي في نظر شريحة من الناس غير قادر على تلبية تطلعات الشارع الجنوبي .


غير أن الزُبيدي تعامل بوعي سياسي مع تعقيدات المشهد، سواء في تعاطيه مع الشارع الجنوبي أو مع الحكومة التي يشارك فيها بتمثيل سياسي واسع، ونجح في المناورة السياسية، ونقل القضية الجنوبية من إطارها المحلي إلى فضاء الحضور الإقليمي والدولي، لتتحول إلى قضية رئيسية لا يمكن تجاوزها في أي تسوية سياسية قادمة.


ومع تراجع شعبية المجلس في فترة سابقة، اتجه الزُبيدي إلى إعادة ترميم الثقة مع الشارع الجنوبي، عبر سلسلة قرارات وإجراءات جريئة، تجاوز من خلالها القيود التقليدية، وفرض واقعًا جديدًا على الأرض، قبل أن يطلق بعد ذلك عملية “المستقبل الواعد”، التي استهدفت تحرير وادي وصحراء حضرموت، إلى جانب محافظة المهرة، وهو ما شكّل نقطة تحوّل مفصلية أعادت الزُبيدي إلى واجهة المشهد بقوة، وأعادت للمجلس الانتقالي رصيده الشعبي لدى الغالبية العظمى من أبناء الجنوب.


وفي هذا السياق، شهدت العاصمة عدن وعدد من المحافظات الجنوبية حشودًا جماهيرية غير مسبوقة، خرجت في تظاهرات وفعاليات شعبية متزامنة، عبّرت عن تأييدها الكامل للخطوات التي اتخذها المجلس الانتقالي الجنوبي في بسط السيطرة الأمنية والعسكرية على حضرموت والمهرة، ورفعت مطالب واضحة بإعلان دولة الجنوب العربي وعاصمتها عدن.


وفي ساحة العروض بمديرية خور مكسر، إلى جانب ساحات الاعتصام الأخرى في مختلف المحافظات الجنوبية ردّد المعتصمون شعارات تؤكد تمسكهم بحق شعب الجنوب في تقرير مصيره، واستعادة دولته المستقلة، معتبرين أن التطورات العسكرية والأمنية الأخيرة التي قادها الزُبيدي تمثل مرحلة مفصلية وحاسمة في مسار القضية الجنوبية.


وأكد المشاركون أن ما تحقق على الأرض من سيطرة أمنية وعسكرية في الجنوب الشرقي يعكس قدرة القوات الجنوبية على حماية الأرض وتأمينها، ويعزز من حضور المجلس الانتقالي الجنوبي كقوة سياسية وعسكرية منظمة، قادرة على تمثيل تطلعات الشارع الجنوبي والدفاع عن خياراته الوطنية.


وفي السياق ذاته، شددت الحشود الجماهيرية على ضرورة ترجمة هذا التفويض الشعبي إلى خطوات سياسية واضحة، تقود إلى إعلان دولة الجنوب العربي، وبناء مؤسسات دولة فاعلة، قادرة على تحقيق الأمن والاستقرار، وتوفير الخدمات، وتلبية تطلعات المواطنين بعد سنوات من المعاناة.


ويرى مراقبون أن هذه الفعاليات الجماهيرية تحمل رسائل سياسية بالغة الأهمية للداخل والخارج، مفادها أن الشارع الجنوبي بات أكثر تماسكًا وإصرارًا على المضي قدمًا نحو استعادة دولته، مستندًا إلى واقع ميداني جديد فرضته التحولات العسكرية والسياسية في المحافظات الجنوبية.



ويبقى السؤال الجوهري المطروح اليوم في الشارع الجنوبي، وفي الأوساط السياسية والإعلامية:

هل يستطيع الرئيس عيدروس الزُبيدي المضي فعليًا نحو إعلان دولة الجنوب العربي؟


وفق معطيات المشهد الراهن، يمتلك الزُبيدي فرصة حقيقية لتحقيق هذا الهدف، شريطة الحفاظ على الزخم الشعبي بنفس الوتيرة والحماس الذي تشهده الساحات اليوم، حيث بات التفويض الشعبي أكثر وضوحًا وتنظيمًا، وانتقل من مرحلة التأييد الصامت إلى المطالبة العلنية باتخاذ قرار سياسي حاسم.


ويعزّز من هذا الاحتمال ما تشير إليه قراءات سياسية من تغيّر ملحوظ في موقف دول التحالف العربي، التي يبدو – وفق مراقبين – أنها وصلت إلى قناعة بأن القوى في الشمال لا تمتلك نوايا جادة لتحرير أرضها، وهو ما انعكس على سياسات التحالف وتعاطيه مع الواقع الجنوبي، الذي استطاع أن يحرر أرضه خلال فترة وجيزة من انطلاق عاصفة الحزم.


هذا التحوّل دفع التحالف العربي إلى التعامل بواقعية أكبر مع المجلس الانتقالي الجنوبي وقيادته، وفتح المجال أمام الزُبيدي لتوسيع نفوذه السياسي والعسكري في المحافظات الجنوبية، ضمن ترتيبات تهدف إلى تحقيق الاستقرار، ومكافحة الإرهاب، ومنع عودة الفوضى.


وفي ظل هذا المناخ الإقليمي، إلى جانب السيطرة الميدانية والتفويض الشعبي الواسع، يقف الزُبيدي أمام لحظة تاريخية نادرة، قد تمهّد الطريق لإعلان دولة الجنوب العربي، إذا ما أُحسن استثمارها سياسيًا، وبما يضمن توافقًا إقليميًا ودوليًا يجنّب الجنوب أي انتكاسات محتملة في المستقبل القريب.


وبين زخم الشارع، وتحولات الإقليم، وواقع السيطرة على الأرض، يبدو أن الجنوب اليوم بات أقرب من أي وقت مضى إلى مرحلة إعلان الدولة، فيما تبقى مسألة التوقيت وآلية الإعلان هي التحدي الأبرز أمام القيادة الجنوبية في المرحلة المقبلة.