ضمن انشطة مخيم الاعتصام بمحافظة الضالع القاء الكاتب والمحلل السياسي احمد حرمل رئيس تحرير موقع "كريتر نت" محاضرة عن الاعلام المضلل تحدث فيها عن الإعلام المضلل، وعلى وجه الخصوص ذلك الذي يُدار من "مطابخ" خفية، زالذي لم يعد مجرد شائعة عابرة، بل هو هجوم منظم على العقل والحقيقة مسيرا الى ان مواجهته تتطلب يقظة جماعية ومسؤولية مشتركة، حيث يكون سلاحنا الأول هو السؤال الدائم: "ما الدليل؟"، ويكون درعنا هو الإعلام الشفاف الذي يضع الحقيقة فوق كل اعتبار. فحماية المجتمع تبدأ بحماية الحقائق التي تُبنى عليها وعيه وقراراته.
وفيما يلي نص المحاضرة :
الإعلام المضلل: ظلال الوهم وخطرها على روح المجتمع
أحمد حرمل
في عصر الفيض المعلوماتي، يبرز الإعلام كقوة جبارة في تشكيل وعي الأفراد وتوجيه بوصلة الرأي العام.
غير أن هذه القوة ذات حدين؛ فحين تنحرف عن مسار النزاهة لتتحول إلى أداة لتشويه الحقائق وقلب المفاهيم، تتحول إلى ما يُعرف بـ "الإعلام المضلل"، وهو سلاح خطير يهدد استقرار المجتمعات ويمزق نسيجها الفكري من الداخل ؛ وهكذا يقف الإعلام تائهاً بين شواطئ الحقيقة وجزر الوهم، حاملاً في يديه مصباحَ الهداية أحياناً، وعتمت الضلالة أحياناً أخرى.
ففي الوقت الذي تتدفق فيه المعلومات كالسيل الجارف، يقف الإعلام على عرشٍ من نورٍ وظلال، يوجّه العقول ويصوغ المواقف، ويزرع في النفوس بذور اليقين أو الشك.
غير أنّ هذه القوة العاتية، إن انحرفت عن جادة الحق، تتحول إلى سيفٍ مسموم يطعن الحقيقة في خاصرتها، ويغدو ما يُعرف بـ الإعلام المضلل؛ ذلك الطيف الخفي الذي يتسلل إلى العقول ليعيد تشكيلها وفق أهواءٍ وأجنداتٍ لا تُرى.
الإعلام المضلل وخطورته على المجتمع
أصبح الإعلام اليوم أحد أهم الأدوات المؤثرة في تشكيل الرأي العام وصناعة المواقف تجاه القضايا المختلفة.
غير أن هذا الدور قد يتحول إلى أداة خطيرة عندما يُستخدم لنشر معلومات غير دقيقة أو مشوهة، فيما يُعرف بـ الإعلام المضلل.
هذا النوع من الإعلام لا يكتفي بنقل أخبار مغلوطة، بل يسعى إلى التأثير على الناس وتوجيههم نحو أهداف محددة قد تكون سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية.
تلعب المطابخ الإعلاميةدوراً كبيراً في إنتاج الإعلام المضلل من خلال التالي :
• انتاج أخباراً مضللة أو محرفة لتحقيق أهداف معينة، مثل التأثير على الرأي العام أو تعزيز أجندة معينة.
• تعمل على تضخيم الأخبار أو تحريفها لجعلها أكثر إثارة أو تأثيراً.
• نشر شائعات أو معلومات غير مؤكدة لخلق حالة من الارتباك أو الذعر.
• استخدام الإعلام المضلل للترويج لأجندات معينة، مثل أجندات سياسية أو إيديولوجية.
• استهداف الفئات الضعيفة أو غير المتمكنة من التحقق من المعلومات، مثل الأطفال أو كبار السن.
• استخدام التكنولوجيا، مثل الذكاء الاصطناعي أو الروبوتات، لنشر الإعلام المضلل بسرعة وكفاءة.
من المهم أن يكون الناس على دراية بهذه المطابخ الإعلامية وأن يتخذوا إجراءات للتحقق من المعلومات قبل تصديقها أو نشرها.
الإعلام المضلل: حين تتحول الكلمة إلى خديعة
لم يعد الإعلام مجرد مرآةٍ تعكس الواقع، بل صار أداةً لصياغة الوعي الجمعي.
وحين يُستغل لنشر الزيف، يصبح أشبه بمرآةٍ مشروخة تُظهر الأشياء على غير حقيقتها.
إنه ليس خطأً عابرًا، بل فعلٌ مقصود، يختار كلماته بعناية ليُضلّ، ويزرع بذور الفوضى في تربة المجتمع.
ماهية التضليل
الحقيقة حين تُسجن خلف الأقنعة
الإعلام المضلل هو أن تُقدَّم المعلومة وقد نُزعت عنها روح الصدق، لتُلبس ثوبًا زائفًا يخدع العيون والعقول.
قد يُستخدم لتشويه سمعة، أو لتلميع باطل، أو لتمرير أجندةٍ خفية.
إنه أشبه بمسرحٍ تُدار فيه الأحداث بخيوطٍ غير مرئية، والجمهور يصفق وهو لا يدري أنه يُقاد إلى حيث لا يريد.
أهدافه:
غايات في الظل
وراء هذا الإعلام تكمن أهدافٌ تتخفى في العتمة:
- توجيه الرأي العام كما يُوجَّه السيل في مجراه.
- تشويه السمعة وسحق المصداقية.
- تمرير سياساتٍ تحت عباءة الأكاذيب.
- إخفاء الحقائق خلف ستارٍ كثيف من الضجيج.
- إثارة البلبلة وزرع الاضطراب في النفوس.
- التلاعب بالقرارات المصيرية وكأنها أوراقٌ في مهب الريح.
جوهر الظاهرة:
٠
أكثر من مجرد كذبة
الإعلام المضلل ليس خبرًا خاطئًا يُقال ثم يُنسى، بل هو مشروعٌ كامل، يُصاغ بعناية ليخاطب العاطفة قبل العقل، ويزرع الشك قبل اليقين.
إنه محاولةٌ لسرقة البوصلة من يد المجتمع، ليُقاد إلى حيث يريد الآخرون.
أدواته:
من العناوين المبهرة إلى مطابخ الظل
التضليل ليس عشوائيًا، بل صناعةٌ لها مطابخها الخفية:
- عناوينٌ مثيرة تُخاطب العاطفة لا العقل.
- صورٌ وفيديوهات تُقتطع من سياقها لتُصبح سلاحًا.
- إحصاءاتٌ مفبركة تُلبس ثوب العلم لتخدع.
- رواياتٌ مختلقة تُقدَّم كحقائق دامغة.
- جيوشٌ من الحسابات الوهمية والبوتات تُغرق الفضاء الرقمي بالزيف.
- تكتيكاتٌ زمنية تُطلق الأكاذيب في لحظاتٍ حرجة لتشلّ القدرة على التفكير.
الأهداف الخفية:
ما وراء الستار
إنها ليست مجرد أكاذيب، بل خططٌ تُرسم في الظل:
- هدم الثقة في الأشخاص والمؤسسات.
- تمرير سياساتٍ تحت غطاءٍ من الوهم.
- تفكيك التماسك الاجتماعي عبر إذكاء الانقسامات.
- التلاعب بإرادة الشعوب في لحظاتٍ مصيرية.
- تحويل الإعلام إلى ساحة حربٍ نفسية تُربك الخصوم وتُضعف المجتمعات.
كيف نحمي أنفسنا؟
يقظة العقل وسؤال الدليل
المواجهة لا تبدأ من المؤسسات فحسب، بل من كل فردٍ يحمل عقلًا وقلبًا.
الحماية هي أن نُربي في أنفسنا مناعةً فكرية، وأن نُعلّم عيوننا أن ترى ما وراء الكلمات:
- أن نشكّ بوعي، فلا نُسلّم لأي خبرٍ دون تمحيص.
- أن نبحث عن المصدر، ونقرأ نواياه قبل كلماته.
- أن نقارن ونوازن، فلا نكتفي بصوتٍ واحد.
- أن نطالب بالدليل، ونُمسك بالحقيقة من جذورها.
- أن نقرأ اللغة، ونكشف المبالغات والانفعالات التي تُخفي السمّ في العسل.
- أن نتحقق من السياق، فلا نُخدع بصورةٍ قديمة أو مشهدٍ مبتور.
الإعلام المضاد للأعلام المضلل صوت الحقيقة في وجه العاصفة
في خضمّ العاصفة المعلوماتية الهائجة، حيث تحاول الأمواج المضللة اقتلاع الحقائق من جذورها، ينهض الإعلام النزيه كـ منارةٍ تثقب الظلام.
٠ إنه ليس مجرد مراقب أو ناقل، بل هو صوت الحقيقة الذي يعلو فوق ضجيج الأكاذيب، و حصن الوعي الذي يحمي العقول من غزوات التضليل.
في مواجهة هذا الطوفان، يبرز الإعلام المسؤول كحصنٍ أخير، يضيء العتمة ويكشف المستور.
إنه صوت الحقيقة الذي يُعيد التوازن، ويُربي الوعي، ويُمسك بيد المجتمع كي لا يسقط في هاوية التضليل.
إنه الصوت الذي يعيد التوازن إلى الفضاء العام، ويربي في الجمهور مناعة التفكير النقدي، ويكشف بحيادية وشجاعة ألاعيب "مطابخ التضليل".
وهو اليد الأمينة التي تمسك بمجتمعنا ليعبر سويًا، واثق الخطى، عبر العاصفة إلى برِّ الحقائق الراسخ.
الإعلام النزيه: آخر القلاع
يبقى الإعلام المسؤول هو الحصن الأخير، الذي يُعيد للحقيقة بريقها، ويُربي العقول على النقد، ويكشف ألاعيب الظل، ويُمسك بيد المجتمع انه صوت الضمير الذي يضع الحقيقة فوق كل اعتبار.
الحقيقة هي درع المجتمع
الإعلام المضلل ليس شائعةً عابرة، بل هجومٌ منظم على العقل والوعي.
ومواجهته لا تكون إلا باليقظة الجماعية، وبسؤالٍ لا ينطفئ: "ما الدليل؟".
فحماية المجتمع تبدأ من حماية الحقيقة، إذ هي الجذر الذي تُبنى عليه القرارات، والمرآة التي تعكس وعي الأمة.
في هذا المشهد المعتم، يظل الإعلام المسؤول هو القلعة الأخيرة للصدق.
٠إنه البناء الذي يُعيد للحقيقة بريقها المسلوب، وينقّي الساحة الفكرية من شوائب التحريف، ويكشف زيف الروايات المختلقة.
وهو الضمير الحي الذي يرفع شعارًا واحدًا: الحقيقة أولاً.. الحقيقة دائمًا.
فالتحدي الحقيقي ليس في الشائعة العابرة، بل في الهجوم المنظم على ركائز العقل والمنطق. ولا تكون المواجهة إلا بـ يقظة جماعية تصدّق بسؤالها المستمر: "ما الدليل؟".
فحماية المجتمع تبدأ من حماية الحقيقة؛ فهي الأصل الذي تُبنى عليه القرارات المصيرية، والمرآة النقية التي تعكس وعي الأمة وضميرها الحي.
وهي في النهاية الدرع المتين الذي يحفظ نسيجنا المشترك من التمزق.
محاضرة في مخيم الاعتصام بمحافظة الضالع الثلاثاء 16 ديسمبر 2025م