في تطور لافت داخل دوائر التفكير الغربي، بدأت تقارير إستراتيجية تصدر عن منصات تحليل معتبرة تضع الجنوب العربي في قلب التحولات المقبلة في الإقليم، ليس بوصفه تفصيلاً في الصراع اليمني، بل باعتباره مركز ثقل جديد يعاد على ضوئه رسم خرائط النفوذ الإقليمي ومسارات أمن البحر الأحمر.
ولعل التقرير الأخير الذي نشرته منصة FYI سياسية غربية ذات تأثير وتُقرأ في مكاتب صُنّاع القرار, يمثّل انعطافة غير مسبوقة: فالنقاش لم يعد يدور حول ما إذا كان الجنوب سيستقل، بل حول سؤال عملي أكثر جرأة
هل بات الاعتراف بدولة الجنوب خيارًا ممكنًا يخدم المصالح الغربية الأمنية؟
أهمية التقرير لا تكمن في محتواه فقط، بل في هوية الجهة التي نشرته وفي توقيته. فالمنصة التي أصدرت التحليل لا تكتب بدافع التعاطف السياسي، بل من زاوية الحسابات الباردة للأمن القومي الغربي ومصالحه الاقتصادية والملاحية. وطرح فكرة الاعتراف بدولة الجنوب في هذا السياق تحديدًا يُعدّ تحوّلًا في مقاربة المقاربة الغربية لملف اليمن، بعدما ظلّ الجنوب يُنظر إليه لسنوات كملف ثانوي مقارنة بتهديد الحوثيين.
التقرير يستند إلى قراءة عملية للوقائع على الأرض منذ تحركات القوات الجنوبية في حضرموت والمهرة مطلع ديسمبر. ويقدّم جملة من الملاحظات اللافتة:
أولًا: فشل أدوات الردع التقليدية ضد الحوثيين
التقرير يربط بين عجز التحالف العربي، والجهود البحرية الأميركية، والاستهدافات الإسرائيلية، في الحد من قدرات الحوثيين المتطورة. ويرى أن استمرار تهديد الملاحة في البحر الأحمر وطرق التجارة العالمية يفرض البحث عن قوة محلية قادرة على فرض كلفة ردعية على الحوثي.
ثانيًا: المجلس الانتقالي يقدّم نفسه كقوة رديفة للغرب لا كحركة انفصالية
يرى التقرير أن حملة المجلس الانتقالي في أبين ضد خلايا القاعدة جاءت كرسالة مقصودة للفاعلين الدوليين. فالإشارة كانت واضحة:
الاعتراف السياسي يقابله التزام بمكافحة الإرهاب وتأمين الممرات الحيوية.
التحول هنا لا يتعلق بخطاب سياسي بل بربط واقعي بين السيطرة على الأرض ومسؤوليات الأمن الإقليمي.
ثالثًا: الاعتراف لا يُمنح لأسباب أخلاقية بل بحسابات مصلحة
التقرير يذهب أبعد من رصد الوقائع، إذ يستعرض المعايير التي تجعل الاعتراف بدولة ناشئة ممكنًا:
•وجود سلطة أمر واقع مستقرة
•دعم إقليمي أو غياب معارضة صلبة
•عدم الرغبة الدولية في الاستثمار بالدفاع عن وحدة يمنية منهارة
•ارتباط الاستقلال بمصلحة مباشرة للأمن الدولي
ويخلص التقرير إلى أن الجنوب العربي في لحظته الراهنة يقترب من استيفاء جزء كبير من هذه المعايير، بما فيها قابلية الحكم، السيطرة الجغرافية، والوظيفة الأمنية للقوات الجنوبية.
ومن هنا جاءت الخاتمة الدالة:
السؤال لم يعد: لماذا الاعتراف؟ بل: ما المانع من الاعتراف؟
الدلالة السياسية لهذا الخطاب الغربي الجديد
هذه ليست إشارة لقرار وشيك، لكنها مؤشر لانتقال الجنوب من موقع “ملف داخلي مؤجل” إلى موقع “احتمال مطروح” في حسابات الدول الكبرى، خصوصًا في ظل احتدام التنافس على خطوط الطاقة وممرات البحر الأحمر.
فالتحول الحقيقي ليس في نتائج العمليات العسكرية فحسب، بل في أن تلك النتائج بدأت تُقرأ خارج اليمن بوصفها بداية تشكّل نظام إقليمي جديد تتداخل فيه مكافحة الإرهاب وتأمين الملاحة والحد من النفوذ الإيراني.
vocal.media/fyi/yemen-is-d…