آخر تحديث :الأربعاء - 01 مايو 2024 - 04:17 م

كتابات واقلام


7 يوليو .. ما أشبه الليلة بالبارحة

الأربعاء - 07 يوليه 2021 - الساعة 02:16 م

علي منصور مقراط
بقلم: علي منصور مقراط - ارشيف الكاتب


بعد يوم 7 يوليو العام 1994م دخلت عدن من أبين واتجهت إلى مقر عملي في صحيفة الراية ومجلة الجندي الواقع بمنطقة فتح بالتواهي قباله منزل الزعيم الجنوبي محمد علي احمد وبوابة المنطقة العسكرية الرابعة حاليا. وصلت إلى بوابة المبنى وإلمواطنين من مختلف الأشكال ينهبون محتويات المكاتب والمستودعات والمطابع والهناجر وهناك مجموعة أخرى تحمل على متن سيارة الوثائق ومجلدات صحيفة الراية وتبحث عن الأعداد اليومية لصحيفة الراية التي تصدر ايام الحرب والقصاصات والبيانات التي تنشر أيام الحرب الإجرامية القذره .. عرفت لاحقا أن هؤلاء يتبعون دائرة التوجيه المعنوي والغرض من أخذ هذه الوثائق والصحف لكي يرصدون أسماء الزملاء الذين كانوا يكتبون ضد قوى نظام الرئيس الراحل علي صالح ليتم الانتقام منهم والتنكيل بهم وهو ماحدث بالفعل.

ودفع الجميع الثمن غالياً ووصل الحال إلى وقف الرواتب مصدر العيش الوحيد لاولاك الصحفيين والكتاب والضباط والجنود الجنوبيين الشرفاء.

كنت حزينأ وانا اشاهد مقر عملي ومكتبي ينهب امام عيني ولا استطيع عمل شيء لوقف ذلك الفعل العدواني التخريبي المشين في تلك الأثناء وصل الأخ العقيد عبدالله معجب وهو مدير الفرع ورئيس صحيفة الراية وهو مثقف وشاعر ومحترم مهما اختلفنا معه قلت له هل تستطيع إيقاف هذا اجاب قد نهب كل شي وصعب .

غادرت المكان وأنا اتذكر اغلى سنوات العمل الصحفي العسكري في ذلك المبنى الذي يمثل نافذة الاعلام العسكري والسياسي وأرشيف وتاريخ جيش دولة الجنوب اتجهت إلى نادي سكن الضباط الواقع تحت مبنى وزارة الدفاع في الخط إلى مستشفى باصهيب العسكري.كنت اسكن أنا وزميلي الصحفي عبدالقادر محوري السكرتير الصحفي الحالي للرئيس هادي. في غرفة هناك وما أن وصلت إلى البوابة وإذا بناس غربا يمنعوني ويقولون فين رايح قلت إلى السكن إجاب الله معك هذا سكن عائلات . قلت طيب باخذ اغراضي . قالوا مافيش لك حاجة هانا وانتبه تعود ثانية. لحظتها سخرت من نفسي وكنت أحدث نفسي ايضأ هؤلاء قد استباحوا وطن وأنا من جهلي ابحث عن اغراض شخصية وممتلكات مبنى صحيفة ومطابع عسكرية .اتجهت إلى الشيخ عثمان وهناك التقيت بصديق قال باوصلك إلى أبين بس مافيش بترول قلت نمشي إلى قائد شرطة الشيخ عثمان قالوا مديرها جار الله الزامكي معروف بايعطينا وصلنا إليه قال طلبت المعدوم .لكن شف هناك سيارة صالون حق المأمور السابق الخلافي هل تقدر تسحب منها رفضت وودعت صاحبي وسافرت أبين بالباص .

بعد فترة طلعت صنعاء ومكثت فترة وقابلت الشاطر وقال أنت ممن شملهم العفو العام فقط المطلوبين 16 قلت يافندم أنا طوال الحرب كنت في بيتي بابين ولم أكن في الصحيفة بعدن .قال شف اللي كانوا يكتبون بالاعداد الحربية اليومية لصحيفة الراية موجودين بالارشيف هانا ولكن نحن قد اعفيناكم والله معك ذهبت أتابع عن راتبي الموقف منذ أربعة أشهر وبعد أسابيع صرف لي راتب شهر فقط من المالية واستلمته بفرحة لحاجتي الماسه اليه وعدت إلى عدن وذهبت إلى التواهي والتقيت الزميل والصديق عبدالقادر محوري سألته فين تسكن قال قدك تروح معنا و نشوف لك فرش وباتعرف اتجهنا إلى السكن وهو عبارة عن براق في المنطقة الجنوبية..وبعد أشهر جاء الراتب إلى عدن ذهبت لاستلام راتبي وابلغني الكاتب المالي أنه موقف وأنا مطلوب إلى صنعاء صدمت وقهرت وخرجت منكسر مع الزميل منصور صالح المسؤول الاعلامي الحالي في الإنتقالي وفي التواهي اعطاني 500 ريال ومنصور زميل وصديق مثقف وفي داخله انسان ومستقيم الضمير رغم شطحاته.

عمومأ بعد متابعة وساطات عند الشاطر ودخل فبها محافظين بما فيهم يحي الراعي والشهيد عارف الزوكا.والقادة من ابين وغيرها وافق الشاطر بفتح راتبي ولكن صرف راتب شهر من استحقاقات ثلاثة أشهر.

استمريت استلم راتبي لفترة وذات يوم كانوا يصرفون المعاش في المتحف العسكري بكريتر ذهبت كغيري لاستلامه وفوجئت وانا بالمساحة قبل طلوعي غرفة الصرف بالمدعو عبدالقدوس الكميم يصيح بإعلاء صوته يامقراط ارجع من عندك راتبك موقف اطلع صنعاء. افتكرت أنه مزاح لرجل حقير وحين دخلت عليه وكان متواجد الزميل اديب الشاطري هو دكتور حاليأ عاد الكميم يقول كلمك عربي راتبك موقف. قلت ياشاطري قله يقدمنا مصاريف السفر أجاب اديب يا مقراط الرجال احترمك وقالك راتبك موقف ..إيش تشتي عادك.
برضه افتكرت أن اديب الشاطري يمزح لكن حين خرجنا وجدته يتحدث بجد وزعلان مني ايضأ لاني ليش ناقشت المدعو عبدالقدوس الكميم ماكنت اود الإشارة إلى هذه النقطة لولا الموقف المتخاذل والبيع الرخيص من زميل كان فيه من الأدب المصطنع ونسميه اديب اسم على مسمى هذا الموقف لن تنساه ماحييت ومازال حياً أشرت لذلك لأن التاريخ يلعنا لاخفاء الحقائق والمواقف الطيبة والسلبية وياريت سلبية بل مؤلمة.

وإلى هنا وما أشبه الليله بالبارحة.

بعد تحرير عدن من مليشيات الحوثي العام 2015م أو بالاصخ 2016 اتصل بي شهيد الوطن اللواء البطل احمد سيف اليافعي الى منزله وقال ياعلي شفني طلبتك واتاسف اني تاخرت بعد أن استدعيت بعض من كبار ضباط التوجيه المعنوي والإعلام العسكري وعرضت عليهم تحمل مسؤولية التوجيه المعنوي وإصدار صحيفة الجيش ومنهم من اعتذر وآخرين كانت طلباتهم أكبر من إمكانياتنا وانت إيش رايك نحملك المسؤولية.ولا باتلحق زملاؤك. قلت بالنسبة لتوجيه المعنوي هناك باقي ضباط وبالنسبة لصحيفة ممكن .قال أهم شي الصحيفة والرئيس على علم ورئيس الوزراء بن دغر صرف لنا خمسة مليون ريال موجودة بس اشتي اعرف التصور الذي تقدمه بتكلفة كل عدد . قلت له بكرة وهو عندك عملت تصور ولاني واثق بتحمل الأعباء وتغطية عمل هيئة التحرير .
اليوم التالي قدمت له التصور مبلغ 250 الف ريال كل عدد فقط . عندما اطلع عليه كتب موافق ومئة الف زيادة. وسلم إلى سكرتيره العقيد حمود يحي وكلفني بمتابعة اخراج الساكن في مباني صحيفة الراية ومطابع الجندي في غضون اقل من اسبوع أصدرت العدد صقر من اول صحيفة عسكرية تصدر من عدن بعد التوقيف القسري لصحيفة الراية في7/71994م .شاهد العدد الشهيدسيف وشعر بفرحة لاتوصف واوصلة إلى الرئيس هادي في معاشيق وهناك اتفقا هو والزميل عبدالقادر محوري السكرتير الصحفي لرئيس بإعداد اصدار قرار جمهوري بتعييني مازال المحوري حيا بنفس الوظيفة.

وتوالت الايام وإصدار الصحيفة اعمل بإعدادها واوصلها إلى المقاتلين في الجيش والمقاومة بجبهات القتال والخطوط الأمامية وكانو ينتظرونها بشغف كل اسبوع وحينها كان الانترنت ليس منتشر .
وفي متابعتي لمبنى الصحيفة ذهبت ذات يوم إلى بوابة الصحيفة وطرقت الباب حتى خرج لي الشخص الذي يسكن المبنى وقلت له بطلبي.اجاب : شف ياوالد هذا المكان فيه اسرة ونحن حافظنا عليه وتجي اليوم وبكل بساطة تطالب فيه ولولا احترامي لشخصيتك وكبر سنك كان بايقع كلام ثاني .قلت لا لا مافيش داعي لأي كلام آخر وأنا لم اجي اخرجك بل افاوضك وماهو مطلوب لك ستحصله .قلت ذلك لاني أدرك أن الفوضى هي سيدت الموقف في عدن وتذكرت مجيئي إلى نفس المكان بعد7يوليو1994وهو ينهب قال خلي غيرك يامقراط يجي انت تبان مسؤول ورئيس صحيفة وتجي برجلك ماشي معك حتى سيارة مكسره ضحكنا معا وودعته . وهذا المبنى لولا عطر الذكر المناضل علي الكود لن يعود فقد تحمل كل شي لإقناع الساكن ودفع المطلوب دون ضجيج إعلامي وبصمت كم لهذا الرجل الجسور بصمات في رحاب هذا الوطن .عاد المبنى وياليته لم يعد فقد طلبنا من الأخ العميد علي منصور الوليدي نقل التوجيه المعنوي إلى المبنى وكنت احلم بإعادته إلى ورشة عمل ولو بالحد الادنى وأن تصدر صحيفة الجيش لكن استشهد الرجل السياسي العسكري الاستراتيجي العظيم رجل الدولة احمد سيف اليافعي وتبخرت الاحلام برحيله ورغم محاولاتنا ومساعدة القائد الفذ علي الكود حفظه الله ورعاه واطال عمره إلا أن الأحداث والصراعات الكارثية المتلاحقة خلطت الاوراق وبدأت الاحلام تتضائل وهكذا هي الحياه فمن جرى عليها سار . ومنتظرين تدخل إلهي للانفراج من هذه الازمة والفتن التي عادت تنهش جسد النسيج الاجتماعي الجنوبي وان لم نصحو فلن نجد جنوب غدأ وكلنا إلى مزبلة التاريخ.وما أشبه الليله بالبارحة.

(رئيس تحرير صحيفة الجيش)