آخر تحديث :الأحد - 07 ديسمبر 2025 - 01:31 ص

كتابات واقلام


الشرعية كمشهدٍ مسرحي: البطولة لتجار الفساد، والشعب ضحية

الثلاثاء - 06 مايو 2025 - الساعة 12:26 ص

وضاح قحطان الحريري
بقلم: وضاح قحطان الحريري - ارشيف الكاتب


منذ انطلاق عاصفة الحزم في مارس 2015، دخل اليمن منعطفًا حادًا ومصيريًا، لم تتبدّل فيه فقط طبيعة الحرب، بل تبدّلت معه مفاهيم الحكم، وتحوّلت السيادة إلى سلعة، والسلطة إلى تمثيل متقن، يُسند فيه دور "الشرعية" إلى ممثلين بارعين في تجسيد الفساد، والتملّق، والإرضاء، بينما يُسدل الستار كل مرة على مشهد النهاية ذاته: ضحية اسمها "الشعب".

لقد تحوّل مفهوم "الإرضاء السياسي" إلى مسطرة وحيدة تُقاس بها قيمة الأفراد والمناصب. من عهد حكومة خالد بحاح إلى بن دغر، ثم إلى معين عبد الملك، ومرورًا بأحمد عوض بن مبارك وصولًا إلى بن بريك؛ تتالت الحكومات بأسمائها، لكن لم يتغيّر شيء سوى الأدوات والأساليب التي جرى بها تعذيب المواطن ومعاقبته بشكل جماعي. كل حكومة كانت تتفنن في التدهور، كأنها بعثة إدارية لاجتثاث الأمل.

في الجنوب، حيث كان الحلم بالدولة المدنية أكثر وضوحًا، جاءت سياسات التعيين والترقي وكأنها عقوبات جماعية. شخصيات تُزيح أخرى، ليس للكفاءة، بل للولاء والجهة، والنتيجة أن كل من جاء كان أسوأ ممن سبقه، حتى بات المواطن يتشاءم من التغيير، لا يتفاءل به.

الأرضاء السياسي أفرغ مؤسسات الدولة من معناها. أصبح المحافظ موظف علاقات عامة، والمدير مجرد تابع لمراكز النفوذ، والقائد الميداني متحكّمًا بالمشهد أكثر من رئيس الحكومة ذاته. وهكذا، جرى قتل ما تبقّى من صورة الدولة عبر حفلات تعيين أشبه بالمزاد السياسي.

وفي هذا السياق، برزت محافظة حضرموت كمثال حي على خطورة التمزق والتدخلات. إن دعم بعض القوى اليمنية للأحزاب اليمينية داخل حضرموت، وتسويقها كخيار سياسي، لم يكن سوى محاولة لتفكيك الصف الجنوبي، وتشتيت القضية أمام المجتمع الدولي، خاصة في لحظات التفاوض أو النقاش حول المستقبل السياسي. ورغم ذلك، ظلت حضرموت عصيّة على الابتلاع الكامل، حاملةً في داخلها التباسات الألم، وخيارات الأمل، التي لم تُجهض بعد.

أما في الاقتصاد، فقد وصلت العملة إلى حافة الانهيار، وتجاوز الريال حاجز الـ670 ألفًا أمام الدولار في بعض المعاملات، وتدهورت الخدمات الأساسية من الكهرباء إلى الصحة، دون مساءلة لأي جهة. في وطنٍ يتآكل كل يوم، لم يحاسب أحد على فشل، ولم يُكرّم أحد على نجاح، لأن مقاييس الحكم اختُزلت في "من يرضي من"، لا في من يخدم من.

لقد وصلنا إلى مرحلة يُعاد فيها تعريف الوطنية بأنها قدرة الشخص على الصمت، أو مهارة المراوغة، لا الجهر بالحقيقة. المواطن أصبح رهينة مشهدٍ مسرحيٍ طويل، لم يعد فيه بطلٌ ولا مخرج، بل مجرد فصول عبثية تُكتب من خارج المسرح، وتُفرض على جمهورٍ صامتٍ يتضوّر.

وإذا أردنا الخلاص، فنحن بحاجة إلى ثورة مفاهيمية، لا مجرد تغييرات شكلية. بحاجة إلى فهم جديد للسلطة، لا قائم على المكافأة والترضية، بل على المسؤولية والكفاءة. وإلا فإننا نعيد المشهد ذاته، مرة تلو الأخرى، بنفس الأبطال، ولكن على مسرحٍ متهالك، وخشبةٍ آيلة للسقوط.