آخر تحديث :الأربعاء - 17 ديسمبر 2025 - 12:46 ص

كتابات واقلام


ثلاثون عامًا على بوابة العدالة.. أرض مؤجلة وأعمار ضائعة: مأساة عمال ميناء عدن منذ 33 عامًا

الثلاثاء - 16 ديسمبر 2025 - الساعة 10:29 م

عبدالله الشرفي
بقلم: عبدالله الشرفي - ارشيف الكاتب



في منتصف يوليو الماضي، تنفّس عمال وموظفو ميناء عدن الصعداء. لم يكن ذلك نتيجة حكمٍ قضائي طال انتظاره، بل بسبب خطوة اعتبروها مفصلية في مسار قضيتهم الطويلة: استجابة مجلس القضاء الأعلى لمناشداتهم المتكررة بإعادة تشكيل الشعبة المدنية الثانية بمحكمة استئناف عدن، الجهة التي تنظر في ملف أراضيهم التعويضية بوحدة الجوار رقم (695).

القرار، الذي صدر عقب اجتماع دوري للمجلس في العاصمة المؤقتة عدن برئاسة فضيلة القاضي محسن يحيى طالب، قضى بتغيير رئيس وأعضاء الشعبة، وتكليف هيئة قضائية جديدة برئاسة القاضي صادق عبدربه محمد محسن، وعضوية القضاة وهيب فضل علي، ومثنى، وشوقي هادي يسلم جرهوم. خطوة قوبلت بترحيب واسع من اللجان النقابية والعمال، الذين رأوا فيها بارقة أمل طال انتظارها بعد أشهر من الوقفات الاحتجاجية المتواصلة أمام محكمة الاستئناف، تزامنًا مع جلسات نظر القضية.

لم يكن الترحيب نابعًا من فراغ. فسنوات التقاضي الطويلة أفرزت شعورًا عامًا لدى العمال بأن مسار العدالة انحرف عن وجهته. وقد عبّرت النقابة، في بياناتها السابقة، عن تشكيكها في حياد الشعبة التي كانت تنظر الاستئناف، متهمةً بعض أعضائها بإبداء مواقف منحازة خلال الجلسات، ما دفعها إلى تقديم طلب رسمي بردّ الشعبة كاملة من نظر القضية. ومع قرار مجلس القضاء الأعلى، شعر العمال بأن صوتهم وصل أخيرًا.

تعود حكاية الأراضي التعويضية إلى العام 1992، حين خُصصت أراضٍ لعمال وموظفي ميناء عدن ضمن مشروع كالتكس. غير أن صدور قانون المناطق الحرة لاحقًا ألغى ذلك التخصيص، لتتخذ الجهات الرسمية في عام 1997 قرارًا بتعويض العمال بأراضٍ بديلة في وحدة الجوار رقم (695) بمنطقة بئر فضل.

لكن ما بدا حينها حلًا منصفًا، تحوّل سريعًا إلى نزاعٍ معقّد. أطراف أخرى ادّعت ملكية الأرض، مستندةً — بحسب النقابة — إلى وثائق غير قانونية، في مقابل عقود رسمية وخرائط صادرة عن هيئة الأراضي بحوزة العمال، تؤكد أن الموقع كان أرضًا بورًا غير زراعية. منذ تلك اللحظة، دخل أكثر من 1500 عامل في معركة قضائية طويلة، استنزفت أعمارهم وأعصابهم، دون أن تفضي إلى إنصافٍ حاسم.

وخلال أكثر من ثلاثة عقود، واجه العمال عراقيل متتالية ومماطلات قضائية، وأحكامًا وصفوها بغير المنصفة، متجاهلةً — برأيهم — الأدلة الرسمية. والأسوأ أن نصف المستفيدين توفّوا وهم ينتظرون لحظة العدالة، ليتحوّل الملف إلى شاهدٍ مؤلم على طول أمد التقاضي وكلفة التسويف.



في بيانٍ صادر بتاريخ 18 فبراير 2025، أكدت اللجان النقابية لعمال مؤسسة موانئ خليج عدن أن مطلبها لا يتجاوز تطبيق القانون، وإحالة القضية إلى هيئة قضائية محايدة ونزيهة، قادرة على الفصل استنادًا إلى العقود والوثائق الرسمية. البيان نفسه اعتبر أن استجابة مجلس القضاء الأعلى تمثل خطوة بالغة الأهمية لاستعادة الثقة بالمؤسسة القضائية، ورسالة إيجابية بأن العدالة — وإن تأخرت — يمكن أن تنتصر.

وخلال الاجتماع ذاته، أقر المجلس تعيين أمين عام جديد، والموافقة على سد شواغر قضائية في عدد من المحافظات، في إطار مساعٍ أوسع لتعزيز أداء المنظومة القضائية.

رغم القرار، لم تُغلق فصول القضية بعد. ففي صباح الثلاثاء 16 ديسمبر 2025، نفّذ عمال وموظفو ميناء عدن وقفة احتجاجية أمام محكمة استئناف عدن، رافعين لافتات تطالب بعدم التلاعب بمحاضر الجلسات، وبإلزام الشعبة المدنية الثانية السَّلَف بتسليم ملف القضية إلى الشعبة الخلف للنظر والفصل وفق القانون.

العمال تساءلوا: إذا كانت القضية لم تُحجز للحكم — كما تؤكد المحاضر — فلماذا الإصرار على التمسك بالملف؟ ولماذا محاولة إصدار حكم رغم انتهاء الولاية القضائية؟ وفي مناشداتهم، حمّلوا الجهات المختصة كامل المسؤولية القانونية في حال الإقدام على أي حكم جديد، مؤكدين أن أراضيهم «ليست سلعة للمتاجرة».

قضية أراضي عمال ميناء عدن ليست نزاع ملكية فحسب؛ إنها حكاية عمال خدموا ميناءهم ووطنهم لعقود، وحلموا بقطعة أرض يبنون عليها مستقبلهم، فإذا بها تتحول إلى عبءٍ نفسي وقضية مفتوحة على الألم. وبين قرارٍ أعاد الأمل، ووقفةٍ تؤكد استمرار الصراع، يبقى السؤال معلقًا: متى تقول العدالة كلمتها الأخيرة؟

«ما ضاع حق وراءه مطالب»… عبارة يرددها العمال اليوم، بإيمانٍ لا يزال يقاوم طول الانتظار.