آخر تحديث :الإثنين - 15 ديسمبر 2025 - 10:45 ص

كتابات واقلام


سرديتان خطيرتان يجري تسويقهما في المشهد اليمني

السبت - 16 أغسطس 2025 - الساعة 06:49 م

نشوان العثماني
بقلم: نشوان العثماني - ارشيف الكاتب


قد يحظى أحمد علي باحترام لدى كثير من اليمنيين، باعتباره مواطنًا يمنيًا له ما لأي مواطن آخر، وربما باعتباره أحد أفضل من أنجبت عائلته ربما، على الأقل من حيث هدوئه وابتعاده عن صخب السلطة حتى الآن.
لكن هذا لا يعني بحال من الأحوال القبول بسرديتين خطيرتين يجري تسويقهما في المشهد اليمني، بوعي مغيّب ودونه، ويجب أن يعارضهما كل يمني يعي جيدًا مستقبل بلاده.

الأولى: تكريس خيال غبي بأن أسرة صالح يمكن أن تكون محورًا للتعويل السياسي.
وهي سردية تافهة تتنافى مع المنطق والتاريخ.
اليمن ليس أسرة، ولا يمكن اختزاله في أبناء رجل واحد أو قبيلة واحدة.
اليمنيات لم يعقمن عن إنجاب قادة جدد، والبلاد التي عانت من حكم الفرد والعائلة لا يمكن أن تعود إلى الدائرة المغلقة نفسها.

الثانية: أخطر وأعمق من الأولى، وهي الإيحاء أن المخلّص/القائد/الزعيم/الرئيس لا بد أن يأتي من الهضبة الزيدية.
هذا وهم يكرس استعلاء يضرب المواطنة في مقتل، ويزرع في وعي الأجيال فكرة أن القيادة قدر مذهبي أو جغرافي.
الانتماء المذهبي ليس هوية سياسية ولا بطاقة انتماء للوطن، وهو معيب بحق هذا البلد؛ لأنه أقل جدًا من أهميته وتراثه وتاريخه ومعناه.
المواطنة الجامعة هدف مقدس لكل نضال وطني في ظل فكر الدولة، وليس أي مفهوم آخر على الإطلاق.
استمرار التفكير بهذه العقلية القبلية العائلية المذهبية عيب مخجل وخطيئة كبرى.
ولا يفترض أن يقود اليمنيين إلا رئيس من بينهم، مواطن لا يتكئ على أب أو عم أو ابن خال، ولا على قبيلة أو سلالة أو مذهب.
مواطن يتكئ فقط على شرعيته الشعبية وعلى كفاءته وإرادته في خدمة بلده.

إعادة إنتاج الزعامات من العائلات نفسها، أو حصر القيادة في الجغرافيا المذهبية ذاتها، يعني أننا لم نتعلم شيئًا من تاريخنا، ولم ندرك جوهر الأزمة التي تعصف بنا منذ عقود.
وإذا ظللنا نفكر بهذه الطريقة فهو أمر يتجاوز أقصى منطق الحياء وحدُّ لا يُطاق.
اليمن أكبر من أي فرد وأسرة ومذهب..

وأزمة اليمنيين في جوهرها ليست فقط في أشخاص أو عائلات أو مذاهب، إنما في صندوق الفكر القبلي الديني الذي يُكبل الوعي ويجعل الناس أسرى أوهام السلالة والزعامة والولاية، وإذا ما تحرروا منها سقطوا مجددًا في وهم الخلافة.
تبًا وسحقًا لكل ولاية وخلافة ولكل فكر ديني لم نجنِ منه إلا كل ابتعاد عن ركب عصرنا وكل تقدّم.

وكل هذا متكثّف جدًا في معنى الجهل، العدو الأول،
وهو ما يجب أن ينتهي إذا ما أراد اليمنيون استعادة دولتهم وحريتهم ومعنى وجودهم.
لا خلاص دون الخروج من هذه الدائرة المغلقة، والانتقال إلى وعي جديد يؤمن بالمواطنة، وبأن الإنسان قيمة في ذاته، لا بقبيلته ولا بمذهبه ولا بأصله.
إنها معركة الوعي،
وهي العلاج الحاسم لأمراضنا المزمنة... دونها لا جديد يُذكر إلا مزيد الدوران حول كل هذا الخواء والدائرة العمياء..