آخر تحديث :الأحد - 07 ديسمبر 2025 - 10:49 ص

كتابات واقلام


مقاربة إيران والعرب بإسرائيل

الثلاثاء - 23 سبتمبر 2025 - الساعة 08:45 ص

منصور الصبيحي
بقلم: منصور الصبيحي - ارشيف الكاتب


يرى البعض أن إيران دخلت بعد الصفعة المدوية التي تلقتها من إسرائيل وأمريكا في مستنقع من الوحل لا يمكنها الخروج منه بسهولة، وهؤلاء ربما ينطلقون في رؤيتهم، من نظرة تعكس عمق التباين والكراهية، لنظام بلغ أقصى درجات الغلو والانحراف، بما جعله لا يستطيع التزحزح قليلًا للوراء، والتفكير إلّا بنفسه، لكن وكما يقال رب ضارة نافعة، فما أصابها قد ربما يدفعها للاعتدال، وإعادة حوكمة سياستها وفق منظور عقلاني، تشارك المنطقة قضاياها وهمومها دونما تعرّضها للخطر أو تطغى على جانب من جوانبها السيادية.

فلو أرادت مثلًا من تنعت نفسها بالثورة الإسلامية المستمرة، تصويب بوصلة أشكال الحكم المختلفة للدول من جيرانها التي تجمعهم بها علاقات وتاريخ مشترك، لكانت شرعت فورًا بعد إسقاط الديكتاتور الشاه على إرساء نموذج حكم مدني رشيد، يكشف مساوئ تلك ويعكس تشوهاتها، وبدستور يحد من دور المرشد الأعلى ويحصره على نطاق المعتقد الديني، كمصدر إلهام للشعب ورافد من روافد الهوية الوطنية، ذلك طريق أسلم سيدفع في تغير وجه المنطقة للأحسن، وستجهز به على أصنامها في مدة قصيرة، وبأسلوبٍ راقٍ يسمو بها إلى رحاب العمران الفكري والثقافي الأوسع، ما يغنيها عن دعم المليشيات ومد الأذرع التي لم تجلب لها سوى الضغناء والكراهية.

فمحنة الأمّة العربية وعجزها حماية نفسها من التغوّل الإسرائيلي المدعوم امريكيًا، وقد أضحى حاضرًا يضربها على اتجاهات مختلفة تمتد للعمق الخليجي ذات المركز الاقتصادي الضخم وصولًا لليمن، ومثله منع التدخلات الخارجية في شؤونها من ضمنها إيران نفسها، يقينًا لن يكون في ضعف الإرادة الإنتماء الوطني، أو نحسبه في قلة الإمكانات والفوارق الطبقية والاقتصادية بين المجتمعات والبلدان، إنّما يكمن في الفردية وغياب مشروع يضبط إيقاعها وينقلها من حالة الميوعة والتفكك، إلى رحاب التكامل والتماسك الداخلي تصون كرامتها وتحفظ كينونتها من الانجراف والانهيار.

دون الغوص في أسبابة الحقيقية ومعرفة خلفياته وخفاياه، هكذا يفتهم المشهد حاضرًا: تتحمّل فيها طهران كامل المسؤولية وذلك لما لعبته على مدى نصف قرن من أدوار مزعزعة لأمن واستقرار المنطقة، انعكس إيجابًا على إسرائيل، ولتجعلها قاب قوسين أو أدنى من تحقيق هدفها، وأمامها الدول التي حظها لم تمزّقها الحروب والأزمات، تقف عاجزة عن فعل شيء، تعرقل به مسارها وتحد من تقدّمها، عداه لجوءها تحارب بالمال كأسلوب تسيّل به لعاب الرئيس وتاجر العقارات ( ترامب ) ولتسحره يسير في طريقها متبنيًا خارطة طريق تفضي للسلام أو على الأقل تؤجل نتائج الصراع لمراحل قادمة.

ومبادرة كهذه لو نظرنا لها من زوايا مختلفة، سنجد احتمالية فرص نجاحها ضئيلة جدًا، فالرجل كما يبدو يتكلّم بلا رصيد وبالأحرى كمن يكذب ويصدّق كذبته، فلقد زعم من قبل بأنه سيوقف حرب روسيا وأكورانيا من اليوم التالي لصعوده البيت الأبيض، ولم ينجز وعده ومازلت كلفتها المادية والبشرية في ازدياد متطرد، ليعترف أخيرًا بأنّ تقديراته عن رغبة بوتين للسلام على طريقته الخاصة كانت مخطئة تمامًا، ومثله تنفيذه مشروع تقارب عربي إسرائيلي قد يذهب إن لم يكن ذهب هو الآخر في أدراج الرياح، لكون ذلك من جانب يتعارض مع مفاهيم بلده الراسخة، والتي تنسجم مع إسرائيل لحد الثمالة، فلا يميّز أهم شعب أم شعبين وأي منهم يتحكم في مصير الثاني؟ ومن جانب آخر لاصتدامها بتشدد فصائل العمل للكيان نفسه، وعلى مختلف مشاربها وتوجهاتها من منظمات وأحزاب ريدكالية يمينية ومتطرّفة إلى يسارية ريبلارية متقدمة، جميعها ترفض وتعارض فكرة قيام دولة فلسطينية قابلة للحياة من أساسها.

فما نشهده من أحداث دراماتيكية متسارعة، برزت على خلفية ٧ أكتوبر، بدءًا بتساقط أذرع إيران طالت رأسها واضعفت دورها، تؤكد بأنّ اللعبة وصلت لشوطها الأخير، والمنطقة تعيش حالة من الصدمة والاستقلاب السياسي المصحوب بالرعب، بما يضعها أمام معادلة صراع جديدة تقوم على الدفع بلاعبين جدد إلى الواجهة، مع الأخذ بعين الاعتبار أهمية القدامى والتغير بين مواقعهم، فبدلًا من العرب مقابل إيران من جهة وإسرائيل من جهة أخرى، تصبح إسرائيل وأمريكا يقابلها في الجهة الأخرى منظومة الدول الإسلامية مع التأكيد على العرب وإيران فيها.

وعلى هذا الأساس فتسوية خلافات الأخيرين وتعاضدهما تبرز بمثابة مطلب وطني وجودي يندرج في سياق البعد الدفاعي الاستراتيجي المشترك ذاته، والذي بات الاستجابة له وتفعيل العمل به وذلك على غِرار ما يجري من تحولات في مسار السياسة العالمية والدفع لتعددية قطبية، مسألة ملحة تساعدهما اولًا وبشكل مستعجل على الصمود في وجه الطغيان الإسرائيلي الغاشم، وثانيًا تظافر الجهود المستقبلية للأقليم والمنطقة على النحو الذي يخدم مصالحها ويلبي تطلعات شعوبها في الاستمرارية والبقاء.