آخر تحديث :الجمعة - 05 ديسمبر 2025 - 10:28 م

كتابات واقلام


إصلاح منظومة القضاء… الطريق الأول نحو استعادة دولة الجنوب

السبت - 22 نوفمبر 2025 - الساعة 08:01 م

جهاد جوهر
بقلم: جهاد جوهر - ارشيف الكاتب


يمر شعب الجنوب العربي اليوم بمرحلة سياسية بالغة التعقيد، تتقاطع فيها التحديات الاقتصادية مع الضغوط الاجتماعية والسياسية التي تتوالى عليه منذ سنوات طويلة. وبرغم هذا الواقع المثقل بالأعباء، ظل شعب الجنوب ثابتًا كالجبال، يقاوم قسوة المعيشة وغياب الخدمات، ويواجه الاحتلال اليمني ومليشياته الإرهابية بصدور عامرة بالإيمان بوطنهم وقضيتهم. لقد صمد هذا الشعب العظيم في كل الميادين، وضحّى بالغالي والنفيس من أجل أن يظل الجنوب حيًّا في قلوب أبنائه وفي ذاكرة الأجيال.

ولكن، وسط هذا الصمود الاسطوري، برزت حقيقة موجعة تكاد تُفقد الناس ثقتهم في مشروع التحرير والاستقلال، وهي ليست خيانةً للقضية ولا تراجعًا عن أهداف الثورة، بل نتيجة مباشرة لخلل خطير ينخر في واحد من أهم أعمدة الدولة… وهي منظومة القضاء.

لقد أصبح كثير من أبناء الجنوب يشعرون بالاستياء، بل والنفور، من سماع شعار التحرير والاستقلال، ليس لأنهم تخلّوا عن وطنهم أو باعوا دماء شهدائهم، بل بسبب وجدود أنفسهم في مواجهة واقع قضائي مشوّه، تحكمه الفوضى والوساطات، وتضيع فيه الحقوق بين دهاليز الفساد. كيف يمكن للمواطن أن يؤمن بقيام دولة عادلة وهو يرى أن ميزان العدالة قد اختل، وأن أحكام المحاكم أصبحت تتأرجح تبعًا للنفوذ، لا تبعًا للحق؟

لقد لجأ المظلوم إلى القضاء طلبًا للإنصاف، فإذا به يصطدم بجدار من العلاقات والمصالح، فتُحرَّف الحقيقة، ويُقلب الحق باطلًا والباطل حقًا، في مشهد لم يعرفه الجنوب في تاريخه، حتى في أحلك الظروف. إن فساد المنظومة القضائية في بعض المحافظات المحررة لم يعد مجرد خلل إداري، بل أصبح خطرًا مباشرًا يهدد ثقة المواطن بمشروع استعادة الدولة.

ومن هنا، يصبح إصلاح القضاء مسؤولية وطنية لا تحتمل التأجيل. فالدول لا تنهض بالشعارات، ولا تبنى بالمشاعر وحدها، بل تقوم على العدالة أولًا، وعلى سيادة القانون قبل كل شيء. وعلى قيادتنا في المجلس الانتقالي الجنوبي أن تجعل من إصلاح القضاء ملفًا ذا أولوية قصوى، يبدأ بفرض الرقابة الصارمة على أداء المحاكم، وتقييم القضاة بشكل دوري، وإبعاد كل من يثبت تورطه في الفساد أو المتاجرة بقضايا الناس.

إن بناء الدولة يحتاج قبل السلاح والجيش، إلى محكمة نزيهة وقاضٍ عادل وحكم يطمئن إليه الناس. فإذا رأى المواطن أن حقوقه مصانة، وأن قضاياه تُفصل بالعدل لا بالمحاباة، حينها فقط سيلتف حول مشروع الدولة الجنوبية، وسيقاتل من أجلها بكل ما يملك من قوة وإرادة لاتلين