آخر تحديث :الإثنين - 08 ديسمبر 2025 - 10:08 م

كتابات واقلام


بيانٌ في فَصلِ المُؤامرة عن المَصلحة: رشاد العليمي ومآلُ مبادرةِ السلطة

الإثنين - 08 ديسمبر 2025 - الساعة 09:29 م

د.أمين العلياني
بقلم: د.أمين العلياني - ارشيف الكاتب


تحت ظلامٍ سياسيٍّ دامسٍ يلفُّ شمالَ اليمن وجنوبَه العربي، تَبرُزُ خيوطُ لعبةٍ خَطِرةٍ يَنسجُها رئيسُ مجلس القيادة رشاد العليمي، مُتَّخِذًا من شعارات التوافق والشرعية ستارًا لتمزيق النسيج الوطني ذاته داخل كيان الشرعية، عبر دعم كياناتٍ تتمرَّد على سلطة المحافظات، مُزوِّدًا إياها بغطاءٍ سياسيٍّ؛ لتحقيق مآربَ ضيّقةٍ والتحايل على إرادة الشركاء الفاعلين داخل المجلس الرئاسي بقواتهم وأرضهم المحررة؛ فبدل أن تكون رئاسة المجلس الرئاسي جسرًا للعبور نحو التحرير أو السلام، تحوَّل بقيادة العليمي إلى أداةٍ لتفعيل سياسة فرِّق تسُد داخل ساحة الشرعية نفسها مما تعرض المجلس الرئاسي إلى الانهيار والتشظي.

لقد برز العليمي – في قلب هذه المعمعة – ليس حلاً، بل إشكاليةً مُركَّبةً تجسِّدُ سياسةَ صناعة الأزمات ثم التذرع بها للتهرُّب من استحقاقات قضية شعب الجنوب العادلة واطارها التفاوضي تحت مرجعيات بالية، وهي القضية التي كانت روح مبادرة نقل السلطة وغايتها. ولعدم فاعلية المجلس – بقيادة العليمي وأنانيته وتخادمه مع الإخوان المسلمين – جعله السببَ الرئيس في إشعال نيران التمرد في المحافظات الشرقية، ولا سيما حضرموت والمهرة، عبر دعم كياناتٍ عملت على تقويض سلطة المحافظين، وتعطيل القرارات التوافقية داخل المجلس الرئاسي التي من شأنها إصلاح الواقع الخدمي والاقتصادي، ثم يُستخدَم وجود تلك الكيانات ذريعةً؛ لتبرير الانهيار المعيشي، وكأن الشعب قربانٌ يُقدَّم على مذبح المناورات.

ووقف العليمي أمسَ أمام السفراء يُحذِّر – بلهجةٍ يغلُبُ عليها التصنُّع – من أي إجراء لحفظ النظام في تلك المحافظات، في إشارةٍ واضحةٍ إلى خطوات المجلس الانتقالي الجنوبي المشروعة في تطهير تلك المحافظات - التي هي محافظات تنتمي إلى حاضنته- من آفتي التهريب والإرهاب.
والمتأمِّل في سردية العليمي تلك يرى عجبًا: فهو يعدّد بعباراتٍ دراميةٍ عواقب افتراضيةً كارثيةً كانقطاع المرتبات واختفاء الوقود، وكأنه يخاطب من لا يعلم أن هذه الكوارث قد وقعتْ بالفعل تحت بصره وبتمويله لتلك الأجندات المعطلة، وأن سياساته الداعمة للمتمردين على السلطات المحلية هي السبب المباشر فيها.

إنه منطقُ المهرِّب الذي يسرق البضاعة ثم يُقيِّد السفينة ويصرخ: انتبهوا، أي محاولة لتحريرها ستغرقها!؛ فكيف تُقطَعُ مرتبات المواطنين في عدن وتعزّ والمحافظات المحررة؟ وكيف يُحتجز وقود المحافظات؟ وكيف يُحرم الشعب من الغاز في مأرب وغيرها بسبب تمرداتٍ مُدبَّرة؟ أليست هذه سياسة الخنق عينها لتركيع الإرادة ومحاولة احراق القيادات المخلصة معه داخل مجلس القيادة أمام شعبها وأنصارها؟

والغريبُ – بل المستغرَبُ حقًّا – هو ذلك الصياح الإعلامي الذي يرفعه العليمي وحلفاؤه من الاخوان المسلمين ضد عملية التطهير العسكرية الشرعية التي نفذها المجلس الانتقالي الجنوبي، والتي تقع في صميم اتفاق الرياض الذي منح الرجلَ صفةَ الرئيس. أليس نقل المعسكرات لمحاربة الحوثي – وليس دعم التمرد على المحافظات – هو جوهر ذلك الاتفاق؟ أليس إجراء المجلس الانتقالي عملاً يعزز هيبة الدولة ويقاوم الإرهاب والتهريب الذي أنهكا كيان الشرعية؟ فلماذا هذا الهلع من إجراءات أنقذت السلطة المحلية، بينما يُداري الرجل دعمَه العلنيَّ لقوى التمرد نفسها؟

لقد انكشفت الحقيقةُ كالشمس، وبهتتْ حججُ المماطلة يا ساده العليمي، ولم يعد مقبولاً خداعُ الشعب – في الجنوب العربي والشمال اليمني– بخطاب الأزمات المُصَنَّعة، وقد آن الأوان لهيكلة مجلس القيادة الرئاسي هيكلةً وطنيةً حقيقية، تُعيد تشكيله قوةً فاعلةً تراعي واقع الأرض ومستجدات الميدان، قادرةً على اتخاذ القرار، وتنتقل به من مرحلة إدارة الأزمة إلى مرحلة حلها، فهذا المجلس هو آخر أمل لهذا المسار السياسي والعسكري لتحرير صنعاء سلمًا أو حربًا.

وعلى المجتمعين الدولي والإقليمي أن يفهمَا – بوضوحٍ لا لبس فيه – أن الجنوب لم يعد يحتمل مزيدًا من التعامي عن عدالة قضيته؛ فالصراع اليوم لم يعد بين شرعية وتمرد حوثي تقليدي فحسب، بل بين مشروع دولة جنوب عربي تُقيمه إرادة شعب، وعصابات تحكمها ثقافة الخداع والارتزاق، وتستخدم المناصب الرسمية لتمزيق النسيج الاجتماعي خدمةً للمشروع الحوثي ذاته وتتخادم معه كما يعرفها رشاد نفسه.

لقد حان وقتُ المساءلة؛ مساءلة من يهرب من استحقاقات الجنوب العربي، ومن يحرق الوطن شماله اليمني وجنوبه العربي ليحكم على رماده، فالشعبُ في الجنوب العربي والشمال اليمني يراقب، ولن يغفر مرةً أخرى لمن يسرق مستقبله ثم يلبس السَّرقة ثوبَ الإنقاذ.