آخر تحديث :الإثنين - 04 ديسمبر 2023 - 07:17 م

كتــابـات


أ.د. حسين الكاف قامة شامخة تنحني و داعاً

الأربعاء - 06 يوليه 2022 - 07:30 م بتوقيت عدن

أ.د. حسين الكاف قامة شامخة تنحني و داعاً

أ.د عبدالله عبدالولي ناشر/ كندا

عدت إلى عدن العظيمة بعد إكمال دراسة الطب في بريطانيا عام ١٩٧٠، و بعد ذلك بحوالي عامين عاد أخي وصديق العمر الأستاذ الدكتور حسين الكاف من إكمال دراسة الطب في بلغاريا. و من أول لقاء تكونت بيننا علاقة صداقة و زمالة متينة لا تتأثر بمرور الزمن و لا بعد المسافات. عملنا معاً في قسم الجراحة بمستشفى الجمهورية و كنا نلتقي يومياً في عنابر الجراحة و غرف العمليات و كذا في جلساتنا بعد ساعات العمل. و كان رحمة الله عليه شامخاً في أخلاقه و إنسانيته و حبه للجميع مع تفانيه في خدمتهم.
أتذكر في منتصف السبعينات عندما كنا نلتقي في مقيل يضم كل من أ.د حسين الكاف و الدكتور حافظ لقمان الله يرحمه و أخي و صديق العمر أ.د علي عبيد السلامي أطال الله في عمره و أحياناً كان ينضم إلينا أخي المرحوم عبدالعزيز عبدالولي. كنا في تلك القاءات نقضي ثلث الوقت في مناقشة الأمور و القضايا العامة ثم ننتقل إلى قراءة الكتب و المراجع الطبية للإطلاع على كل جديد، ثم نقضي الثلث الأخير من اللقاء في الإسترخاء و الحديث عن تطوير الخدمات الصحية في وطننا الحبيب.
في عام ١٩٧٩ قررنا أنا و صديقي د. حسين أن نسافر معاً لقضاء إجازة في جزيرة سنغافوره حيث نزلنا هناك ضيوفاً على إبن عم د. حسين الأخ أحمد الكاف و الملقب ب Night الذي أطلعنا على معالم تلك الجزيرة و من ضمنها عمارة بيت الكاف المشهورة جدا ًفي سنغافورة و هناك تعرفت على مجمل إنجازات و إسهامات بيت الكاف في بناء و تطوير تلك الجزيرة منذ منتصف القرن التاسع عشر. أعجبنا في ذلك الحين بمدى التقدم و التطور لتلك الجزيرة التي أصبحت أحد نمور شرق آسيا. و قد حكى لنا الأخ أحمد الكاف انه في بداية ستينات القرن العشرين كان السنغافوريون يعيشون ظروفاً صعبة و هو من ضمنهم فكانو يسافرون إلى عدن بحثاً عن العمل، عندما كانت عدن في تلك الأيام درة التاج البريطاني و ثالث أهم ميناء في العالم.
و في مطلع عام ١٩٨١ دعاني أخي حسين لمرافقته لزيارة مسقط رأسه مدينة تريم حيث نزلنا بصحبة عائلتينا في ضيافة آل الكاف أهل الكرم و النخوة و العلم حيث قضينا أمتع الأيام و تعرفنا عن كثب على كل ماقدمته أسرة الكاف و جدهم شيخ أبوبكر الكاف من برامج التعليم و الخدمات الصحية و الإجتماعية و الخيرية و شق الطرقات و غيرها مما دفع صاحبة الجلالة الملكة إليزابيث الثانية بتقليده وسام الإمبراطورة البريطانية أثناء زيارتها لعدن في أبريل عام ١٩٥٤.
كان الحبيب حسين رحمه الله عالماً بمعنى الكلمة حيث قدم العديد من الأبحاث و الكتب الطبية المنشورة كما تولى عمادة كلية الطب بالإضافة إلى تدريسه لأجيال من طلبة و طالبات كلية الطب الذين تخرجوا على يده و أستفادوا من علمه الغزير و خبرته الواسعة في مجال الطب و الجراحة. كان يحب عمله و علمه حتى الثمالة، كما كان يحب الناس و يتفانى في خدمتهم و مساعدتهم كلما طلب منه ذلك. و أتذكر عندما كنت ألجأ إليه كوني خارج الوطن لمساعدة أحد الأصدقاء أو أحد أفراد الأسرة طلباً لخدمة سواءً البحث عن عمل أو منحة دراسية أو إستشارة طبية، لم تكن تقر له عين حتى يبذل قصارى ما في وسعه لتقديم تلك الخدمة مهما كلفه ذلك من وقت و مادة و جهد.
كنت على تواصل معه بشكل مستمر لأطمئن على حالته و حالة عدن الحبيبة و الوطن بشكلٍ عام و كان دائما ً متفائلاً بلا حدود و مستبشراً بالأيام القادمة قائلا ً: "إن أجمل الأيام هي تلك التي لم نعشها بعد". كان يرفض التشاؤم حتى في أحلك و أقسى الظروف التي مرت و لا زالت تمر بها بلادنا و أهلها الطيبين إلا أنه و للأسف الشديد رحل عنا قبل أن يرى ما كان يأمل ان يراه.
كم سأفتقدك يا أخي وكم ستفتقدك عدن وتريم وكل الوطن، فنم قرير العين فإن ذكراك ستظل حية وزكية بيننا إلى الأبد.

أ.د عبدالله عبدالولي ناشر/ كندا