آخر تحديث :الإثنين - 08 ديسمبر 2025 - 05:23 م

كتابات


ما هي العوامل الأساسية التي يمكن الرهان عليها لقيام الدولة الجنوبية؟

الإثنين - 08 ديسمبر 2025 - 04:50 م بتوقيت عدن

ما هي العوامل الأساسية التي يمكن الرهان عليها لقيام الدولة الجنوبية؟

كتب / العقيد/ محسن ناجي مسعد.

أضحى جليًا أن إطالة أمد الانتظار وتأخير صدور القرار السياسي المتعلق بإعلان قيام الدولة الجنوبية يفقد اللحظة التاريخية راهنيتها، ويبدد الحماس الشعبي الذي ساد الأوساط الجنوبية، كما ينتقص من قيمة وأهمية التضحيات الجسيمة والدور البطولي الذي اضطلعت به القوات المسلحة الجنوبية، والتي نجحت عبر سلسلة طويلة من الانتصارات المتلاحقة والجهود المتراكمة في تهيئة البيئة الداخلية السياسية المناسبة لاتخاذ قرار وطني مصيري بحجم إعلان الدولة.


لقد تمكنت القوات الجنوبية، مسنودة بإرادة شعبية صلبة، من فرض واقع عسكري وأمني جديد على امتداد الجغرافيا الجنوبية، واقع يتماهى مع متطلبات قيام الدولة الجنوبية، ويتناغم مع التحولات المتسارعة التي تشهدها محافظات الجنوب كافة، في ظل حالة من السخط الشعبي العارم تجاه وضع قهري فُرض منذ أكثر من ثلاثة عقود، تكبّد خلالها الجنوبيون أشكالًا قاسية من القهر والظلم والإقصاء والتنكيل على يد أدوات الاحتلال الشمالي.


واليوم، لم يعد الوجود الشمالي في الجنوب سوى وجود شكلي بلا مضمون حقيقي، بعد أن تآكلت مقومات استمراره سياسيًا وعسكريًا وأمنيا وشعبيًا، وأصبح مرفوضًا على مختلف المستويات. إن الإبقاء على هذا الواقع، حتى وإن كان صوريًا، يتيح لقوى الاحتلال فرصة لالتقاط الأنفاس وإعادة ترتيب أجنداتها، بما يهدد مشروع الدولة الجنوبية ويمنح مشروعًا فاشلًا فرصة وهمية للبقاء، وهو ما يستوجب الحسم السريع وقطع الطريق أمام أي محاولات للالتفاف أو الإحياء.


لقد بلغت القضية الجنوبية في ظل المعطيات الحالية مرحلة لم يعد فيها التأجيل خيارًا مقبولًا أو مبررًا. فالجاهزية العسكرية والأمنية، والزخم الجماهيري الواسع، وتماسك الجبهة الداخلية، وتوفر المناخ السياسي والاجتماعي الملائم، كلها عوامل تجعل من الإسراع في اتخاذ قرار إعلان الدولة الجنوبية الفيدرالية استحقاقًا وطنيًا لا رجعة عنه، وتتويجًا لمسيرة نضالية طويلة حفلت بالتضحيات والبطولات.

ولا يمكن في هذا السياق تجاوز الدور المحوري الذي نهضت به الإرادة الشعبية الجنوبية، بوصفها الرافعة الأساسية للمشروع الوطني، والداعم الأصدق للإرادة السياسية والعسكرية. فقد برهن الشعب الجنوبي، رغم سنوات القهر والاستهداف، على قدرته في كسر معادلات القوة المفروضة، وتحطيم أسطورة البطش، وإلحاق الهزائم المتتالية بأدوات القمع، حتى أرغمها على الانكفاء أمام صلابة الإرادة الجنوبية.


وإذا كانت الظروف الداخلية قد نضجت اليوم لتهيئة القرار السياسي بإعلان قيام الدولة الجنوبية، فإن الرهان الحقيقي ينبغي أن ينصب على العامل الداخلي باعتباره الركيزة الأساسية والضمانة الفعلية لاستمرار مشروع بناء الدولة. فالإرادة الوطنية المستندة إلى القوة العسكرية والتنظيم السياسي والتفاف الشعب حول مشروعه التحرري، هي الأساس الذي تقوم عليه الدول وتحفظ به سيادتها واستقلال قرارها.


أما العامل الخارجي، وإن كان مهمًا من حيث الدعم والمساندة والتعاطي السياسي، فلا ينبغي أن يتحول إلى قيد على القرار الوطني أو شرطًا معطّلًا لإرادتنا. فالسوابق السياسية والعلاقات الدولية تؤكد أن الاعتراف بالدول الناشئة لا يكون فوريا أو شاملا، بل يأتي تدريجيا ووفق حسابات المصالح المتباينة للدول ، وهو مسار طبيعي لا يجب أن يكون ذريعة لتأجيل أو تعطيل مسار استحقاق سيادي طال انتظاره.


إن إعلان الدولة الجنوبية أولًا، وفرض واقعها السياسي والأمني على الأرض، هو ما سيدفع الإقليم والعالم لاحقًا للتعامل معها كحقيقة قائمة، ومن ثم الاعتراف بها تباعًا وفق المصالح المتبادلة. وعليه، فإن اللحظة الراهنة تفرض موقفًا حاسمًا، والمضي بثبات نحو استكمال مشروع التحرر الوطني الجنوبي، اعتمادًا على العامل الداخلي كخيار استراتيجي لا بديل عنه، مع اعتبار العامل الخارجي عنصرًا مساعدًا لا مقررًا، حتى يظل قرار قيام الدولة الجنوبية نابعًا من إرادة أبنائها الحرة، ومعبرًا عن طموحات الشعب الجنوبي وحده، بعيدًا عن أي إرادات قد تعيق أو تؤخر حقًا سياديًا مشروعًا.