المقدمة التاريخية
منذ ثلاثين نوفمبر 1967م، حين نالت جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية استقلالها الكامل من المملكة المتحدة، تشكلت في جنوب الجزيرة العربية أول دولة حديثة تمتعت باعتراف دولي كامل. وقد رسخت تلك الدولة مؤسسات سياسية وإدارية وقانونية وعسكرية واضحة . وفي عام 1990م، وقعت جمهورية اليمن الجنوبية مع الجمهورية العربية اليمنية في وحدة اندماجية طوعية؛ غير أن هذه الوحدة لم تستمر بوصفها شراكة، إذ أقدم نظام صنعاء على إعلان الحرب في 27 أبريل 1994م، وانتهت باحتلال الجنوب بالقوة، وما تلا ذلك من ممارسات هدفت إلى تفكيك مؤسسات الجنوب وإقصاء كوادره.
الحدث المحوري (عرض نوفمبر 2025)
في يوم تاريخي سيظل في ذاكرة منتسبي القوات المسلحة الجنوبية، وتحديداً يوم السبت الموافق 29 نوفمبر 2025م، قدم طلاب الكلية الحربية (الدفعة 52) عرضاً عسكرياً نوعياً نال استحسان أبناء الجنوب. لقد أعادت بنا الذاكرة إلى المكان نفسه قبل أكثر من ثلاثة عقود، حين كانت الكليات العسكرية تحتفي بتخريج الآلاف سنوياً. ولكن عندما دخلت دولة الجنوب في وحدة وتم الغدر بها، عمد نظام صنعاء إلى سياسة الحرمان، وأغلق المؤسسات العسكرية، وأصدر قرارات بتسريح ما بعد عام 1994 .
وتشير التوثيقات الحقوقية الصادرة عن الشبكة المدنية للإعلام إلى أن عدد المسرحين بلغ 355,659 موظفاً مدنياً وعسكرياً، في حين أن الأرقام الحكومية الرسمية (52,766) تمثل فقط الحالات التي تمت تسويتها .
الحضور والرسالة السياسية
جاء يوم 30 نوفمبر 2025م، الذكرى الثامنة والخمسون للاستقلال، ليشهد الجنوب عرضاً مهيباً بحضور الرئيس القائد عيدروس الزُبيدي، ووزير الدفاع الفريق الركن محسن الداعري، وعدد من القيادات الرفيعة . حمل العرض رسالة واضحة بأن الجنوب استطاع -بفضل الله ثم رؤية فخامة الأخ / الرئيس القائد عيدروس الزُبيدي-رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي المضي في مشروع استعادة الدولة، حيث أصدر توجيهاته بتوفير وسائل التدريب والتأهيل لمنتسبي القوات المسلحة.
كذلك ساهمت توجيهات ومتابعة القائد الشيخ/ أبو زرعة المحرمي/ نائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي نائب رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي القائد العام ألوية العمالقة الجنوبية في تذليل الصعاب وتقديم العون للكوادر التدريبية والتدريسية.
موقف وزير الدفاع
ولن أستطيع في هذه العُجالة أن أمر دون الوقوف أمام الموقف العظيم لمعالي الفريق الركن دكتور محسن الداعري وزير الدفاع الذي ترجم الأقوال إلى أفعال، ونجح بجهود مضنية في إعادة بناء وتأهيل الأكاديميات والكليات العسكرية .
أتذكر أنني جلست أتحدث معه عن شعوره تجاه ما يحاك ضده، فجاء رده شامخاً كشموخ الجبال: "يا صديقي، أنا أعلم أن إقدامي على إنجاز هذه المشاريع الكبيرة... لهو شرفٌ كبيرٌ، ولا أبالي بعد ذلك بشيء حتى لو صدر قرار إقالتي غداً".
عندما سمعت ذلك، أيقنت أنني أمام شخصية عسكرية وطنية فذة، فالرجال تُعرف بالحق، ومعيار الانتماء للوطن هو المواقف والأفعال لا الأقوال .
وبينما كانت بعض الأطراف تنظر إلى هذه الإنجازات بحقد، فوجئ الجميع بالتحرك الحاسم للقوات المسلحة الجنوبية وسيطرتها على مسرح عمليات المنطقة العسكرية الأولى، في خطوة أكدت جاهزيتها لحماية الجنوب . إن هذه التطورات هي امتداد لمسار نضالي طويل وإرادة شعبية تسعى لاستعادة الدولة وبناء تنمية مستدامة .
*محامي وناشط سياسي.