آخر تحديث :السبت - 13 ديسمبر 2025 - 01:03 ص

كتابات


الرئيس الزبيدي.. من مدرسة نضال وكفاح إلى خريطة ترسم حدود دولة الجنوب العربي

الجمعة - 12 ديسمبر 2025 - 11:52 م بتوقيت عدن

الرئيس الزبيدي.. من مدرسة نضال وكفاح إلى خريطة ترسم حدود دولة الجنوب العربي

د. أمين العلياني

كان حركةً نضاليّةً كفاحيّة، وكانت سيرته مدرسةً قبل أن تكون سيرة رجل؛ سيرة فكرةٍ متجسّدةٍ رسّمت خلودَها في ذاكرة شعب جنوبي عربي أصيل، آمن به ونضاله وكفاحه، فصار مصدرًا لإلهامه، وثِقَةً لتطلّعاته. عرفته الميادين غضبًا ثائرًا، وعرفته الجبال ملاذًا ومدرسةً، وعرفته المعارك أسدًا وسيفًا، منذ انطلقت شرارة الجنوب الثانية في العام 1994م حتى اليوم، حيث خطَّ مسارًا منحنياً صاعدًا لا يعرف الانكسار، مناضلاً صلبًا يكتب ببندقيته وإرادته فصلاً من فصول حلم كل جنوبي أصيل لم يمت، بل تشبّث بالوجود في وجدان شعب أبى أن يكون ظلًا أو هامشًا في مسار الحرية والكرامة والتحرير ونَيْل التطلّعات المصيرية.


لقد صقلته المراحل وشحذته المنعطفات التاريخية الحادّة، فتحوّل من ثائر يحمل هموم أرضه على كتفيه ومعاناة شعبه في وجدانه، إلى قائد يستوعب أبعاد قضيّة شعبه بعقله وقلبه؛ وناضل حين كان النضال هو اللغة الوحيدة التي يفهمها المحتل، وكافح حين كان الكفاح الممرّ الإجباري نحو الكرامة والحرية والسير نحو ضفاف الاستقلال الناجز، كما خاطب شعبه في أكثر من مناسبة. وفي هذا المسار الطويل، حيث تُزرع التضحيات كالألغام على درب الحرية، وتتساقط الإحباطات كأوراق الخريف، كان هو الشجرة الدائمة الخضرة المتجذّرة بعمق في تراب جنوبه العربي الأصيل، والمتفرّعة بأملٍ لا ينضب نحو سماء السيادة والهوية الجنوبية، على أرض تبلغ مساحتها حوالي (360,133) كيلومترًا مربعًا، وتمتدّ حدودها من المهرة شرقًا إلى باب المندب غربًا.


وها هو اليوم لا يزال ذلك الكيان النضالي الصلد، لكنه صار شيئًا آخر أكثر امتدادًا وأعمق تأثيرًا: مصدر إلهام وخارطة طريقٍ لاستعادة الدولة الجنوبية كاملة السيادة. وليس ذلك إلا لمسيرته التي تحوّلت إلى مدرسة كفاحيّة تُدرَّس في وجدان الناس قبل الكتب، ولأفعاله السابقة التي صارت سِجِلًّا بطوليًّا يُلهِم الأجيال الحاضرة. والأهم أن كلماته الحاضرة صارت خريطةً تحمل دقّة التخطيط الاستراتيجي وصدق الوعد النضالي الذي لا يخون.


في زيارته الرمضانية الأخيرة لحضرموت والمهرة، لم يلقِ خطابًا عاديًّا، بل كان يكتب بوعد تاريخي صفحةً جديدة من صفحات المستقبل والتحرير لتلك المحافظات خاصة، ولشعب الجنوب العربي عامة، من براثن الاحتلال وبقاياه الإرهابية التدميرية. فقال كلمته الفاصلة: "سوف تتنفس قريبًا صحراء حضرموت وواديها والمهرة وحدودها هويّتها الجنوبية العربية، وتستنشق عبق التحرير والتطهير". فكانت تلك العبارة، بتركيبتها الأدبية القوية، وصورها الشعرية الموحية، أكثر من مجرد بشارة؛ بل كانت نبوءة عملية، وعدًا جعل المستقبل القريب حاضرًا في أذهان شعبه، ورسم بأحرف من نور معالم المرحلة القادمة بثقة العظماء، حتى لم يعد قوله كلامًا يطير في الهواء، بل صار فعلًا يترسّخ في الأرض وينبت ويُزهِر في ذاكرة الشعب تحقيقًا لوعدِه؛ لأن كل كلمة نطق بها تحوّلت إلى خطوة في خُطّة، وكل جملة ألقاها صارت مرحلةً في مشروع واضح المعالم.


ومن هنا فهم شعبه الجنوبي العربي، الذي آمن بأن الحرية لا تُوهَب بل تُنتَزع، أن وراء هذا الوعد الصادق يقف عزم لا يلين وتخطيط لا يعرف العشوائية، وإرادة حوّلت الكلام إلى فعل والوعد إلى مشروع منجز مكتمل الأركان.


فـلكَ الدَّرُّ يا فخرَ الجنوب العربي الأصيل، ومحرّر أرضه وسماءه وهَواه، وراسم حدوده وجغرافيّته. فأنت العهد الذي لا ينقض، والوعد الذي لا يخون، وأنت الصوت الذي تحوّل إلى صرخة في ذاكرة الشعب، والحركة التي تحوّلت إلى مسيرة دولةٍ اسمها الجنوب العربي. فأنت في قلب شعبك وذاكرته الخالدة: تاريخ لا يُمحى، ووشم لا يُمحى، ونَفَس من روح هذه الأرض لا يقبل الزوال. وليس ذلك إلا لأن مسيرتك النضالية ومدرستك الكفاحية تجاوزتا فكرة الزعامة المؤقتة إلى حالة التأبين الحي، فصرتَ مصدر الإلهام الدائم لتطلّعات شعب، ومرجعية روحية وسياسية لدولة جنوبية عربية تنهض من جديد من تحت الرماد، لتقول للعالم إن إرادة الحياة أقوى من كل محاولات الإفناء.


سَلامٌ عليك يوم وُلدتَ، ويوم ناضلتَ وكافحتَ، ويوم تولّيتَ وقبلتَ حمل التحرير فوعدتَ وأوفيتَ، وها أنتَ على أعتاب تاريخ الإنجاز والخلود!!!.