آخر تحديث :الجمعة - 11 يوليو 2025 - 11:33 ص

كتابات واقلام


في ذكرى رحيله.. هشام باشراحيل: صوت الحقيقة في زمن عسكرة الحياة

الإثنين - 16 يونيو 2025 - الساعة 01:53 م

المحامي جسار فاروق مكاوي
بقلم: المحامي جسار فاروق مكاوي - ارشيف الكاتب


تحلّ اليوم الذكرى السنوية لرحيل الصحفي الجنوبي البارز هشام باشراحيل، رئيس تحرير صحيفة الأيام، أحد أعمدة الصحافة الحرة في جنوب اليمن، ورمزًا لمهنة حملت همّ الناس في وجه سلطة سعت إلى عسكرة الحياة المدنية وتكميم الأفواه. لم يكن هشام باشراحيل مجرّد ناشر أو مسؤول تحرير، بل كان حالة استثنائية في تاريخ الإعلام الجنوبي، قاوم ببسالة محاولات إخضاع الكلمة الحرة لسلطة نظام علي عبدالله صالح، في واحدة من أكثر المراحل ظلامًا وتضييقًا على الحريات العامة. في السنوات التي شهدت تصاعد عسكرة الحياة المدنية في عدن والجنوب، تحوّلت صحيفة الأيام تحت قيادته إلى منبرٍ للشفافية وكشف الحقائق، ما جعلها عرضة للملاحقة والاقتحام والإيقاف المتكرر. إلا أن هذه الإجراءات لم تُثنِ هشام عن أداء رسالته، بل زادته إصرارًا على أن تكون الصحافة في خدمة المواطن، لا في جيب السلطة. امتلك الراحل رؤية واضحة لدور الإعلام كسلطة رقابية مستقلة، وليس أداة ترويجية. وقدّم نموذجًا نادرًا في النزاهة المهنية، حين جعل من الأيام صحيفة تنقل وجع الناس، وتعري السياسات الخاطئة، وتطرح القضايا المسكوت عنها بجرأة واحترام. لقد دفع هشام باشراحيل ثمناً باهظاً لخياراته المهنية، لكنه كسب احترام شعبٍ بأكمله. لم يغادر الحياة قبل أن يُرسّخ تقليدًا مهنيًا قلّ نظيره، ويؤسس لمسار إعلامي وطني لا يزال حاضرًا حتى اليوم، رغم كل التحديات والمتغيرات. وفي وقتٍ تعود فيه بعض مظاهر التضييق على الصحافة وتُطرح من جديد أسئلة الحريات، تبقى سيرة هشام باشراحيل حاضرة كنبراسٍ لمن أراد أن يكتب بضمير، وأن ينحاز للمهنة وليس للسلطة. في ذكراه، لا نرثي الراحل، بل نستدعي إرثه، ونستعيد القيمة الكبرى التي عاش من أجلها: أن الصحافة مسؤولية، والكلمة موقف، والحقيقة لا تموت. رحم الله هشام باشراحيل.. ستظل عدن مدينة لا تنسى رجالها.