آخر تحديث :السبت - 06 ديسمبر 2025 - 01:39 ص

كتابات واقلام


حضرموت تعيد رسم المشهد

السبت - 06 ديسمبر 2025 - الساعة 01:38 ص

احمد عبداللاه
بقلم: احمد عبداللاه - ارشيف الكاتب


قالوا: “إذا الجنوب دولة فحضرموت دولة، وإذا اليمن دولة موحدة فحضرموت إقليم”، وهي المعادلة الشرسة التي لم يحسن معدّوها حجب الاستخفاف الواضح بعقول الناس.

وكان بإمكان أصحاب الشعار أن يكتفوا بالقول إنهم مع يمن اتحادي وفقا لمخرجات الحوار، وهذا سيجنبهم كثيراً من عناء التسويق. لكنها مهنة الإغواء التي تتسلل من تحت عباءة التنظيم الذي يعيش خارج ديناميات القرن.

الشمال، بطبقاته وأطيافه ونخبه السياسية والثقافية والمالية والمهنية والقبلية، وبتفوقه الديموغرافي في دولة الوحدة، فرض منطقه على الجغرافيا والتاريخ معاً، وامتلك الكفة الراجحة في موازين القوى. ناهيك عن الطائفة والقبيلة والأحزاب العقائدية الكبرى، والحركات الدينية والسلالات التي تتمسك بخطاب الحق الإلهي في الحكم. كل ذلك يجعل مفهوم الوحدة، بأشكالها كافة، شديد التعقيد، وغير منفتح على الواقع، وبحاجة إلى معالجة عبر الخيال الدرامي؛ فلا تلك متاحة، "ولا ليل يكفينا لنحلم مرتين".

صنعاء ستخلق أوعية جوفاء ومسميات جوفاء وأهدافا جوفاء، ثم تملؤها بمن تشاء وبما تشاء.

رغم ثقلها السياسي والثقافي وتنوع نخبها وحيويتها المجتمعية وانتشارها، لم تستطع تعز (ومعها محافظات الوسط والغرب) في تاريخ اليمن الملكي والجمهوري أن تحدث اختراقاً حاسماً في مركز السلطة بصنعاء، إلا في حدود ما يسمح به النظام هناك، وبشروط صنعاء.

راهن عليها كثيرون في محطات مفصلية، خاصة ما بعد الوحدة وقبيل حرب 94، لكنها لم تتمكن من المساهمة الفاعلة في تغيير موازين الصراع نحو شراكة متوازنة تحفظ استمرارية الوحدة. بقيت صنعاء صاحبة القرار، بينما أُعيد تشتيت إرادة تعز في سياقات لا تعكس دورها المنتظر. وفي حرب 2015 انقسمت تعز إلى تعزين، واحدة للإخوان وأخرى للأنصار، خارج بيئتها الاجتماعية وهويتها الثقافية. واستمرت صنعاء تمسك بخيوط اللعبة.

فماذا ستفعل حضرموت البعيدة إن هي وافقت أن تعاد هندستها ضمن دولة مركزها التاريخي المقدس صنعاء؟ وما مصير إقليمها حين يعود الزمن إلى تكرار نفسه؟ وبعد أن جرب الجنوب دولة مقابل دولة، فاكتشف أنه عليه الانتظار ألف عام لعل اليمن يدخل عصر الديمقراطية، أو يحظى بمساواة عادلة تليق بالإنسان والأرض، لا بأهواء القبائل أو السلالات.

الثابت أن حضرموت تمثل الثقل الأكبر سياسياً واقتصادياً وإستراتيجياً في الفضاء الجنوبي. وهذا الواقع يختلف جوهرياً عما تسوقه مشاريع الموفنبيك التي تبخرت قبل أن يجف حبر المخرجات، والتي لم ترَ في حضرموت أكثر من (جغرافيا مفيدة) ضمن إقليم سموه شرقيا، تحكمه أحزاب صنعاء بأيدٍ محلية، ويتم ترتيبه في سلم أولوياتها.

حضرموت الكبيرة ليست جغرافيا تعاد هندستها على خرائط تُصنع في حوار لإدارة الأزمات، ولا يليق بذاتها القوية الراسخة أن تطلب امتيازاً في زمن عائم، فالعطاء فعل تراتبية لا يستقيم إلا من الأكبر إلى الأصغر.

كان يراد لها، وباسمها، أن تُستدرج لضرب مشروع استعادة الدولة الجنوبية، وأن تُدفع إلى التضحية بذاتها وفضائها الحيوي ضمن حبكة تراجيدية وشعارات براقة. لكنها لا تفكر خارج جوهر وعيها، بل تدرك أن التخلي عن مشروع الدولة الجنوبية يعني الدفع بالجميع نحو الهاوية. وهكذا تعيد بوضوح تعريف المرحلة؛ مرحلة استعادة دولة الجنوب التي تتطلب توسيع الشراكة والمشاركة في صنع القرارات.

حضرموت فضاء حيوي لا تختزله حسابات مصالح، ولا يعاد تشكيله عبر مشاريع اعتادت أن تغطي أهدافها بضجيج الشعارات وصناعة الفوضى. كما أنها ليست جزءاً يعاد ترتيبه كلما تغير المشهد، بل مركزا، حين تصان خصوصيته، يتم عبره رسم المشهد واستحضار معنى الدولة وموازينها ومستقبلها.
أحمـــــــــــد عبداللاه
ديسمبر 2025