صرف العملات
مجتمع مدني
كتابات
فريق التحرير
من نحن
إتصل بنا
الرئيسية
اخبار عدن
أخبار وتقارير
تحقيقات وحوارات
منوعات
محافظات
عرب وعالم
إجتماعيات
قضايا
رياضة
ثقافة
صرف العملات
مجتمع مدني
كتابات
فريق التحرير
من نحن
إتصل بنا
آخر تحديث :
الجمعة - 19 ديسمبر 2025 - 08:28 ص
ثقافة - أدب - فن
" وأنتي قِدش ع تساعفي؟! "
الإثنين - 30 ديسمبر 2019 - 11:15 م بتوقيت عدن
د.سعيد الجريري
تابعونا على
تابعونا على
(1)
جملة استفهامية إنكارية الدلالة في مقطع حواري، باللهجة المحكية، بين الأم البدوية هند وابنتها فطوم، في مقدمة أوبريت أعراس البادية التي كتب أبياتها الشاعر حسين أبوبكر المحضار:
- ايش حيّرش يا فطوم عالبير رُدّي علي؟
- دلوي سقط يا امّاه وطلّعه لي
- من هو ؟
- سعيفي!
- وانتي قدش عَ تساعفي؟!
لكن قبل أن أمضي مع فكرة المقال، أجدني ميالاً إلى فذلكة عن بنية الجملة في نسقها اللهجي البدوي، فضمير المخاطبة (أنتِ)، منطوقُهُ لا يَخجل من إثبات الياء بديلاً عن الكسرة في الإملاء العربي، وهو منطوق أليف قريب إلى المنطق والإحساس بالإحالة على تأنيث جوهري، يستدعي الإشارة إلى ما دعا إليه د. عبدالله الغذامي من رسم إملائي للمخاطب المؤنث يثبت الياء كما هو لا كما أراده راسمو الإملاء الرسميون، في مثل: أنتي، وكُنتي، وقُلتي ...إلخ.
وفي الجملة (قد) موصولة بشين المخاطبة بدلاً من كافها، على أن قد هنا لا صلة لها بدلالة التوقع أوالتقليل أوالتحقيق النحوية العربية، فقافها مكسورة، محيلة على معنى الصيرورة، أي إنها البنت قد صارت إلى مرحلة جديدة. ثم يبرز الحرف (عَ) مفتوحاً، وهو من خصائص اللهجة الحضرمية في المشقاص ودلالته على استمرارية الفعل، على مغايرة للحرف نفسه في لهجة أهل صنعاء الدالة على الاستقبال كدلالة السين وسوف في العربية الرسمية. أما ركيزة الجملة فهي الفعل (تساعفي) الذي يُسقط المشاقصة نون رفعه الذي يثبته المعاربة - نسبة إلى المعراب - تماماً كما في العربية، فيقولون مثلاً كما في هذه الحال (تساعفين)، ولهم في ذلك أشباه ونظائر إذ يسقطون نون الأفعال الخمسة، بلا ناصب أو جازم، فيقولون مثلاً: يلعبوا، بدلاً من يلعبون، ولهم تلفّظ خاص على نحو (يِلْ – عَ – بُو)، وفي هذا الأمر تفصيل لا يتسع له المقال.
(2)
هند الأم البدوية تبدي، بقدر خشيتها على ابنتها، بهجةً بتحولات ابنتها التي تكشف عن كونها غدت موضوعاً للمساعفة، بأن يكون لها سعيف، والسعيف هنا معناه الصاحب الذي تجمعها به علاقة عاطفية، قد تتطور إلى الاقتران، كما كان شائعاً في بادية حضرموت التي لها أعرافها وسوارحها التي تنظم طبيعة الحياة والعلاقات العامة، كما دوّن جزءاً أصيلاً منها الباحث الراحل أ. عبدالقادر محمد الصبان في كتابه "لمحة من حياة البادية"، الذي أثبت فيه ما تقره أعراف القبيلة من حقوق للمرأة سابقة قوانين الأحوال الشخصية المعاصرة في كثير من البلدان العربية.
فأن تكون البنت فطوم (ع تساعف) فذاك دالّ من دوال كونها ممن يوقفن الشبان على رجل واحدة، ما يعني أنها على وشك أن تغدو امرأة ناضجة تكتسب حقوقها، وتكون لها كلمتها، وشخصيتها. ولعل بهجة أمها متأتية من كون ابنتها غدت محبوبة مرغوبة، ولها (شفّها) الخاص، وشغفها بمن يستميل قلبها، على إيقاع خفقات طبيعية تتصادى هارمونياً في المراعي والوديان والشّعاب، حيث تسرح كل يوم، راعية بالأغنام أو جالبة الماء من كريفٍ او بئر.
ولعل ابتهاج هند البدوية بمساعفة ابنتها مما يذكّر بقصيدة (هند وأمها) لبشارة الخوري (الأخطل الصغير) التي مطلعها: (أتت هند تشكو إلى أمها * فسبحان من جمع النيّرين)، التي تغنى بها محمد جمعة خان، بما تحويه من سردية حوارية بين الأم وابنتها التي فوجئت بأمارات صباها وتجليات جمالها، فتركتها الأم، من عجبٍ واستعجاب، تسرد إحساسها، كأنها تستذكر أيام شبابها الأولى، حتى تساءلت: (فبالله ياأمُّ ماذا تريْنْ؟):
فقالت، وقد ضحكت أمُّها
وماست من العُجب في بُردتينْ
عرفتُهُمُ واحـداً واحداً
وذقتُ الذي ذقتِهِ مرتينْ
(3)
حديث المساعفة يثير شجون الحرية وتكوين الشخصية الواثقة من نفسها في البادية، وما كانت الأعراف تقره من حالة وجودية للمرأة منذ أن تباشر لحظات تحولها الأولى، كحالة فطوم التي استمالها نبل ذلك الفتى وشهامته، إذ أطلع دلوها من البئر، وحادثها حديث الشفافية والمكاشفة، لا المراودة، فصادف حديثه هوى في نفسها وشغفاً، لا شك أنهما كانا يؤججان لهيبهما بلقاءات كالمصادفات المصطنعة، كيما يقترب كل منهما من شخصية الآخر ، ويتماس مع مزاجه الخاص. لذلك كان تتويج ما بينهما بأن اختار كل منهما شريكه بحرية توازي حجم الفضاء المفتوح الذي التقيا فيه، على ناصية بئر ودلو وماء وكلام عذب زلال، واتفقا (على كل شيء) كما في الحوار المغنّى.
ولعل من اللافت أن ما حاولت إحدى نساء الحي إثارته من شبهة حولهما، بالوشاية، قوبل بكياسة من الأم، بل إن الشاب قدم أوراق اعتماد عشقه إليها، وكانت هي القاطعة المانعة، ولم تكن الكلمة للأب، ما يدل على ما كان للمرأة في البادية من مكانة، وما لها من سلطة معتد بها اجتماعياً، فلم تقل له مثلاً، على سبيل التوبيخ، ما يدل على (أنهم آخر من يعلم)، بل قالتها بثقة في مآل ما بينهما:
مادامكم قــــــد توافقتوا على كل شي
البنت باسمك وماجاء مــن قداك يكفي
حتى ليبدو الأب (الرجل) ههنا آخر من يعلم، فالبنت قد اتفقت مع سعيفها، ثم زكّت الأم اتفاقهما وباركته، ولم يبق إلا أن يُخطر الأب باختيار ابنته من يشاركها الإقبال الجميل على أيام تشبه الطبيعة التي جمعتهما، وليس في ذلك انتقاص لمكانته، بقدر ما فيه من إعلاء لحرية الاختيار، ومسؤولية القرار في تقرير المصير الفردي، وهو ما كانت البادية نموذجه، لا في الحب والعشق و(الغيار) فقط، ولكن في قيم النخوة، والشهامة، وإكرام الضيف، وإغاثة الملهوف، ما يشكّل قوة الشخصية التي كان ينماز بها البدوي والبدوية على حد سواء، لا لأنهما في البادية، ولكن لأنهما كانا يدرجان في فضاء حر ، ويتنقلان من (شنطوب) إلى آخر، بحرية ومسؤولية، ومن يكن حراً في اختياره، يكن مسؤولاً عن نتائج ذلك الاختيار، ومن ثم قويّ الشخصية، حتى أتى حين من الدهر على كثير من سكان الحواضر كانوا يستغربون فيه أن تستقبلهم المرأة بكل ثقة وتحسن ضيافتهم، إذا ما نزلوا ببيتها ولم يكن في البيت رجل، أو فتى!
مقالي في العدد الأخير من مجلة "حضرموت الثقافية"
العدد الرابع عشر ، أكتوبر - ديسمبر ، 2019 سعيدالجريري
مواضيع قد تهمك
وفاة السفير محمد عبدالرحمن العبادي.. ما هي الرسالة التي حمله ...
الخميس/18/ديسمبر/2025 - 11:46 م
غيب الموت السفير محمد عبدالرحمن العبادي ، القائد العسكري والسياسي في دولة الجنوب ، حيث شغل فيها عددا من المراتب العسكرية ومنها مديرا لمكتب وزير الدفاع
غياب المادة يضاعف معاناة المواطنين ويتسبب بأزمة في المواصلات ...
الخميس/18/ديسمبر/2025 - 10:20 م
طوابير طويلة للمركبات جراء تفاقم أزمة الغاز تتفاقم أزمة مادة الغاز في معظم محافظات البلاد، جراء نفاد المادة في معظم المحطات، وتأخر وصول حصص المحافظات
أكاديمي مغربي : المجلس الانتقالي يقف اليوم أمام مرحلة حاسمة ...
الخميس/18/ديسمبر/2025 - 09:39 م
إعتبر الأكاديمي المغربي البروفيسور توفيق جزوليت تبنّي المجلس الانتقالي الجنوبي للإعلام الخارجي باللغة الإنجليزية أداة استراتيجية وركيزة بناء التفهم ال
الزُبيدي: تأمين حضرموت والمهرة خطوة حاسمة… والوجهة النهائية ...
الخميس/18/ديسمبر/2025 - 07:28 م
جدّد الرئيس القائد عيدروس قاسم الزُبيدي، رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، القائد الأعلى للقوات المسلحة الجنوبية، نائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي، التأكيد
كتابات واقلام
عزة فريد صحبي
الاستراحة الأخيرة
م.يحي حسين نقيب اليهري
الأحداث عاصفة ومتسارعة والمتغيرات كبيرة..رسالة لأبناء الجنوب في المهجر
علي سيقلي
وطن مؤجَّل مقابل رصاصة غدر
د.أمين العلياني
معركة الحسم في أبين.. بين صَولَةُ انتصارات قواتنا المسلحة، وهزائم التنظيمات الإرهابية
المحامي جسار فاروق مكاوي
قلق طهران… حين يتحدث صانع الانقسام بلسان الوحدة
عبدالله الشرفي
ثلاثون عامًا على بوابة العدالة.. أرض مؤجلة وأعمار ضائعة: مأساة عمال ميناء عدن منذ 33 عامًا
أصيل هاشم
شرعية الميدان تسحق شرعية الفيسبوك ومن يقاتل على الأرض هو من يقرر مصير الوطن
حافظ الشجيفي
حسم ملف الوافدين الشماليين.. ضرورة استراتيجية لبناء دولة الجنوب المستقلة