آخر تحديث :الأحد - 07 ديسمبر 2025 - 07:34 م

الصحافة اليوم


مغادرة اليونيسيف لصنعاء مؤشر على مراجعة دولية لنهج التعامل مع الحوثيين

الأحد - 07 ديسمبر 2025 - 12:27 م بتوقيت عدن

مغادرة اليونيسيف لصنعاء مؤشر على مراجعة دولية لنهج التعامل مع الحوثيين

عدن تايم/ العرب

يشكل إعلان وزير الخارجية اليمني شائع الزنداني، السبت، عن نقل منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) مقرها الرئيسي من صنعاء إلى مدينة عدن، منعطفًا مهمًا في مسار العمل الإنساني والدولي داخل اليمن، ويعكس تحولات سياسية وأمنية وإنسانية متشابكة بين أطراف الصراع والجهات الأممية الفاعلة.


وتنبع أهمية الخطوة من كونها المرة الأولى التي يتم فيها الإعلان عن نقل المقر الرئيسي لواحدة من أكبر المنظمات الدولية العاملة في البلاد من العاصمة التقليدية صنعاء، التي تخضع لسيطرة الحوثيين، إلى مدينة عدن، التي تعد العاصمة المؤقتة للحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا.


ولا يمكن قراءة هذا التطور بمعزل عن المشهد اليمني المأزوم، الذي يشهد تداخلًا بين التحديات الإنسانية الضخمة، والالتباسات السياسية، والتوتر المتصاعد بين المنظمات الدولية وسلطات الحوثيين.


وجاء إعلان الوزير خلال لقائه نائب المدير التنفيذي لليونيسف تيد شأنان، على هامش أعمال منتدى الدوحة في دورته الثالثة والعشرين، وهو لقاء يكتسب دلالة خاصة من كونه انعقد في سياق دولي يناقش تحديات الأمن والسلام والتنمية، وفي لحظة تشهد فيها اليمن ارتفاعًا في حدة الضغوط الدولية على الحوثيين بسبب ملفات الاعتقال والانتهاكات المتعلقة بالعاملين الأمميين.


وخلال اللقاء، بحث الجانبان أوجه التعاون بين الحكومة اليمنية واليونيسف، واستعرضا مستجدات الأوضاع الإنسانية، ولا سيما أوضاع الأطفال الذين يتحملون العبء الأكبر من تداعيات الحرب الممتدة منذ ما يقرب من عقد كامل. كما ناقشا طبيعة البرامج الإنسانية القائمة، والحاجة إلى زيادة فاعلية الاستجابة الإنسانية في القطاعات الحيوية، خصوصًا الصحة والتعليم، وهما قطاعان تعرضا لانهيار واسع نتيجة استمرار النزاع.


ووفق ما جاء في التصريحات الرسمية، فإن الوزير الزنداني أشاد بنقل المقر الرئيسي للمنظمة إلى عدن، معتبرًا أن الخطوة تعزز الشراكة المباشرة بين الحكومة واليونيسف، وتفتح المجال أمام تنسيق أكبر وتحرك أكثر سلاسة في تنفيذ البرامج الإنسانية.


كما أكد أن وجود المنظمة في عدن يسهم في تعزيز الاستجابة السريعة لاحتياجات المواطنين، ويدعم جهود الحكومة في توفير بيئة عمل أكثر استقرارًا وحيادًا للمنظمات الدولية.


وفي المقابل، ثمّن جهود اليونيسف ودورها المحوري في دعم الأطفال والقطاعات الخدمية الأساسية، مشيدًا ببرامجها التي تشمل معظم المحافظات اليمنية، رغم التحديات الأمنية والإدارية المتفاقمة.


لكن هذا الإعلان لا يمكن النظر إليه فقط باعتباره توجهًا إداريًا أو تنظيمًا لوجستيًا لعمل المنظمة، بل يشير إلى تغير في المعادلات التي حكمت نشاط المنظمات الأممية داخل اليمن طوال السنوات الماضية.


ومنذ اندلاع الحرب، حافظت معظم المنظمات الدولية على وجودها الرئيسي في صنعاء، رغم وقوعها تحت السيطرة الحوثية، وذلك بحكم كونها العاصمة الإدارية والأقرب إلى مراكز الكثافة السكانية. غير أن السنوات الأخيرة شهدت تدهورًا كبيرًا في العلاقة بين الحوثيين والمنظمات الدولية، وصل إلى مستويات أثرت بصورة مباشرة على أداء هذه المنظمات، وأجبر بعضها على تعليق أنشطتها مؤقتًا، أو تقليص نطاق عملها.


ويأتي في مقدمة أسباب هذا التوتر قضية اعتقال الحوثيين لعشرات الموظفين الأمميين اليمنيين، وهو ملف أثار استنكارًا دوليًا واسعًا.


وتفاقم الوضع مؤخرًا عندما أصدر القضاء الحوثي في صنعاء أحكامًا بالإعدام على بعض المعتقلين، بعد توجيه تهم تتعلق بالتجسس والتعاون مع أطراف خارجية.


وقد شكّك الكثير من المراقبين والمنظمات الحقوقية في مصداقية هذه الاتهامات، واعتبروها امتدادًا لنهج الجماعة في التضييق على العاملين في المجال الإنساني وابتزاز المنظمات الدولية لانتزاع مكاسب سياسية ومالية.


وفي ظل هذا الواقع، أصبحت بيئة العمل في صنعاء محفوفة بالمخاطر، إضافة إلى تدخلات سلطات الحوثيين المتكررة في آليات توزيع المساعدات، وفرض قيود على حركة الموظفين، وطلب قوائم المستفيدين، الأمر الذي خلق توترًا دائمًا بين الجانبين.


وبالنظر إلى هذا السياق المتوتر، فإن قرار اليونيسف بنقل مقرها الرئيسي إلى عدن يبدو استجابة مباشرة لعدم قدرة المنظمة على أداء مهامها بحرية وحياد في المناطق الخاضعة للحوثيين.


يُنظر إلى الخطوة على أنها رسالة واضحة للحوثيين بأن المجتمع الدولي بدأ يعيد النظر في طريقة تعامله معهم كسلطة أمر واقع.


كما يعكس القرار قناعة متزايدة لدى الأمم المتحدة بأن استمرار العمل من صنعاء بوضعه الحالي يعرض سلامة موظفيها للخطر ويقوض نزاهة عملياتها الإنسانية.


وفي المقابل، ترى الحكومة اليمنية أن الانتقال إلى عدن يعزز حضورها السياسي والإداري، ويؤكد أنها شريك دولي موثوق قادر على توفير بيئة مناسبة للجهات الأممية.


وعلى المستوى السياسي، يُنظر إلى الخطوة على أنها رسالة واضحة للحوثيين بأن المجتمع الدولي بدأ يعيد النظر في طريقة تعامله معهم كسلطة أمر واقع.


وبينما اضطرت المنظمات في السنوات الماضية إلى التعامل المباشر مع الجماعة لضمان وصول المساعدات إلى ملايين اليمنيين، يبدو أن المجتمع الدولي بدأ يسعى إلى إعادة ضبط قواعد العلاقة بما يحدّ من نفوذ الحوثيين على العمل الإنساني. كما يمكن اعتبار القرار جزءًا من إجراءات ضغط ناعمة تهدف إلى دفع الجماعة للإفراج عن المعتقلين ووقف الانتهاكات التي تعيق عمل الوكالات الأممية.


وأما على المستوى الإنساني، فمن المتوقع أن يؤدي نقل المقر إلى عدن إلى إعادة تنظيم عمليات الاستجابة، وربما يخلق تحديات لوجستية في البداية، خاصة أن صنعاء لا تزال تضم أكبر كتلة سكانية في البلاد، وتحتضن شبكات توزيع واسعة كانت تعتمد عليها المنظمة. غير أن الانتقال إلى عدن قد يتيح لليونيسف تعزيز الرقابة على تنفيذ برامجها، وتقليل التدخلات التي كانت تحصل أحيانًا في مناطق سيطرة الحوثيين، إضافة إلى العمل من بيئة أكثر استقرارًا، ما يسهم في تحقيق استجابة أسرع وأكثر شفافية للمحتاجين.


ومن جهة أخرى، يعكس القرار رغبة أممية في إعادة تموضع تدريجي لمنظومة العمل الإنساني في اليمن، بحيث تنتقل المراكز الحيوية إلى مناطق أكثر أمانًا، خصوصًا بعد تزايد المخاطر على حياة العاملين الأمميين في صنعاء.


وإذا استمرت الجماعة الحوثية في نهجها الحالي، فقد يشجع القرار منظمات أخرى على اتخاذ قرارات مشابهة، وهو ما قد يؤدي إلى تحول كبير في خارطة التواجد الأممي داخل اليمن.


كما أن هذه الخطوة تأتي في مرحلة تشهد فيها الحكومة اليمنية تحسنًا نسبيًا في علاقاتها الدولية، وسعيًا حثيثًا لإعادة بناء مؤسسات الدولة في المناطق المحررة، وهي تحركات ترى فيها الأمم المتحدة مؤشرات إيجابية يمكن البناء عليها.


ويشكل وجود اليونيسف في عدن فرصة لتعزيز حضور مؤسسات الدولة في إدارة الجانب الإنساني، وتفعيل خطط التنمية طويلة المدى، إلى جانب دعم مشاريع إعادة الإعمار في بعض القطاعات الحيوية.


ومن زاوية أخرى، لا يمكن تجاهل أن الخطوة، رغم أهميتها، قد تثير مخاوف من تسييس العمل الإنساني أو استخدامه كورقة ضغط بين الأطراف المتصارعة.


ولذلك، يبقى التحدي أمام اليونيسف والمنظمات الأممية الأخرى هو الحفاظ على حياديتها واستقلالها، وضمان استمرار وصول المساعدات إلى جميع المحتاجين دون تمييز، بما في ذلك المناطق الخاضعة للحوثيين، التي تضم ملايين الأطفال الذين تعتمد حياتهم على الدعم الإنساني.


وبشكل عام، يشير نقل المقر الرئيسي لليونيسف من صنعاء إلى عدن إلى مرحلة جديدة في إدارة الملف الإنساني في اليمن. فهو خطوة تحمل أبعادًا سياسية، وتداعيات إنسانية، ورسائل أممية واضحة، وقد تكون بداية لإعادة صياغة العلاقة بين المنظمات الدولية والجهات المتحكمة في الأرض.


كما يعكس القرار إدراكًا متزايدًا بأن استمرار الوضع الحالي لم يعد قابلًا للاستمرار، وأن العمل الإنساني لا يمكن أن يظل مرتهنًا لسلطة تستخدمه أحيانًا كأداة ضغط أو ابتزاز.


وفي المحصلة، يبقى السؤال الأكبر هو: هل ستتمكن اليونيسف من إدارة عملياتها بكفاءة أكبر من عدن؟ وهل ستنجح الخطوة في دفع الحوثيين إلى مراجعة سياساتهم تجاه العمل الأممي؟. هذه الأسئلة ستبقى مفتوحة، لكن المؤكد أن قرار نقل المقر يمثل لحظة مفصلية في مسار العمل الدولي في اليمن، وقد تكون له انعكاسات بعيدة المدى على المشهد الإنساني والسياسي في البلاد خلال الفترة القادمة.