بسم الله الرحمن الرحيم
عندما نذكر أبين الخير، تحضر في ذاكرتنا تلك الأيام التي كانت فيها دلتا أبين السلة الغذائية لجنوب اليمن، والوجهة الأولى للأبحاث الزراعية والإرشاد والتجارب الحقلية. نتذكر مركز البحوث الزراعية، ومركز الإرشاد والتدريب الزراعي، ولجنة أبين الزراعية، وقطن أبين بورد، والمحلج، ومصنع زيت بذرة القطن… تاريخ طويل من الإنتاج والريادة الزراعية.تاربخ طويل من النشاط والحركه آلاف العمال يتجهون كل صباح إلى مرافق العمل والإنتاج
دلتا أبين، بتربتها الخصبة ومساحتها التي تقارب 85 ألف فدان، كانت وما زالت قادرة على إنتاج كل أنواع الفواكه والخضروات والحبوب. وموقعها الفريد بين وادي بنا المزود بسد باتيس التحويلي الذي ينظم توزيع السيول عبر قنوات رئيسية وبين وادي حسان الذي ينتظر استكمال مشروع سده الاستراتيجي حتى اليوم… جعل من الدلتا أرضًا لا تشبه غيرها.
*الموز قصة دخلت أبين من* *بوابة المياه الغزيرة*
دخل محصول الموز إلى دلتا أبين في الخمسينيات، وكانت باتيس أول منطقة تحتضنه بسبب وفرة المياه آنذاك. ومع مرور السنوات، توسعت زراعته حتى أصبحت دلتا أبين تنتج ما بين 40 إلى 70 طنًا يوميًا طيلة أيام السنة – رغم عدم توفر إحصائية رسمية – وفق تقديرات العاملين في القطاع من وكلاء وتجار.
وتتوزع زراعة الموز اليوم في مناطق عديدة:
باتيس، أمجبلة، كبث، يزعق، يرامس، الحصن، الرواء، جبل لحبوش، وبعض أطراف جعار والديو والمسبمير والكود وزنجبار… جميعها تنتج وجميعها مستنزفة للمياه بدرجات متفاوتة.
*الموز محصول* *ينعش السوق* *ويستنزف الأرض*
لا يمكن إنكار الجانب الإيجابي لمحصول الموز؛ فهو يستوعب مئات الأيدي العاملة يوميًا في...
القطع – الغسيل – الفرز – التلميع – التعبئة –التغليف - الوزن – النقل.
قطاع كامل من الرجال والنساء يعيش من هذا المحصول، وعشرات القاطرات الثقيلة تتجه يوميًا إلى نقاط الوزن لنقله إلى مناطق الاستهلاك.
كما أن العائد المالي للمزارع مربح للغاية؛ فالموز ذو دخل شهري، وسعر الكيلو قد يصل إلى 350 ريال في أيام الذروة، ويرتفع إلى 600 ريال في مواسم الشتاء.
إضافة إلى ذلك، بدأ بعض المزارعين والتجار ببناء ثلاجات للإنضاج والخزن، مما ساعد على تنظيم المعروض.
*لكن لكل شيء ثمن*
مع توسع زراعة الموز، ظهرت مشكلات كبرى تهدد مستقبل دلتا أبين الزراعي
1- استنزاف المياه الجوفية
– الاعتماد الكبير على الطاقة الشمسية ضاعف الضخ لساعات طويلة.
– انقطاع السيول وقلة الأمطار أدى إلى جفاف عشرات الآبار.
– عمليات التغزير التي يقوم بها المزارعون لم تعد تجدي نفعًا.
2- الحفر العشوائي للآبار
توسع غير منظم، بلا رقابة، جعل من دلتا أبين حقلاً مفتوحا للآبار العميقة التي تنهش المخزون الجوفي.
3- تراجع المحاصيل النقدية
قبل 1989 كانت أبين تزرع من 7000 إلى 15000 فدان من القطن… بانتاجيه تقدر من 10مليون رطل إلى 22مليون رطل أما اليوم لا يتجاوز ما يزرع 250 فدانًا فقط.وهذا الموسم 25م لم تتجاوز المساحه المزروعه من القطن ال 70فدان فقط واحتمال تعطي أقل من 70الف رطل وهذا الكلام على مسوليتي الشخصيه
كذلك تراجعت زراعة الحبوب: الذرة – الدخن – الذرة الشامية –السمسم -والفول السوداني وغيرها من محاصيل الأمن الغذائي.
4- انتشار السيسبان والتصحر الزراعي
توقّف مياه السيول عن الوصول إلى عشرات آلاف الأفدنة بسبب اعتراضها في مجرى مزارع الموز – أدى إلى تصحر واسع الارضي الزراعيه وازدياد انتشار أشجار السيسبان التي تلتهم الأراضي عامًا بعد عام.
5- تعطّل قنوات الري والمنشآت المائية
القنوات لم تعد قادرة على استيعاب السيول، وبعض المنشآت تضررت دون صيانة أو متابعة جادة.
*من المستفيد؟* *ومن الخاسر* ؟
الحقيقة الواضحة....
المستفيد الحقيقي من التوسع في زراعة الموز لا يتجاوز 150 مزارع.
بينما عشرات الآلاف من المزارعين الآخرين فقدوا أراضيهم، أو تحولت إلى صحراء قاسية والسبب واضح
فمياه السبول التي تأتي الينا تذهب مباشرة إلى مزارع الموز، بينما تُحرم آلاف الأفدنة التي يعتمد عليها معظم المزارعين.
وهكذا أصبحت أبين مجازًا تبيع الماء وليس الموز.
*ما العمل* ....؟
عند ما نطرح مثل هذه المواضيع
ليس الهدف منها إلغاء زراعة الموز ولكن تقنينها وإنقاذ الدلتا قبل أن تفقد روحها الزراعية بالكامل ولا يمنع من التوسع في زراعة الموز في المناطق الغنيه بالمياه وخصوصا مياه الغيول الدائمة .
وفي هذا الإطار، يمكن طرح عدة حلول من أهمها ...
1. منع استخدام مياه السيول في مزارع الموز لأكثر من مره في العام وإعطاؤها الأولوية للمحاصيل الغذائية والأراضي الزراعيه المستحقه والمحرومه من الري منذو أكثر من ربع قرن
2. وقف الحفر العشوائي للآبار ووضع نظام صارم وفرض عقوبات على المخالفين والالتزام بالمسافه بين البئر والأخرى
3. تحديد حد أعلى للمساحات المسموح بزراعتها بالموز في دلتا أبين.لكل مزارع
4. إعادة إحياء المحاصيل النقديه والتقليدية كالقطن والحبوب والمحاصيل الزيتيه لتوازن التركيب الزراعي.
5. صيانة قنوات الري والمنشآت المائية ورفع كفاءتهابحيث تكون قادره على استيعاب اكبر كميه من مياه السيول
6. استكمال سد حسان لتأمين توزيع عادل ومنظم للسيول وتغذية الحوض المائي الدلتا بشكل عام
دلتا أبين ليست مجرد أرض.زراعيه فقط … إنها حياة ممتدة عبر أجيال.
والموز رغم أهميته الاقتصادية، لا يجب أن يتحول إلى السبب الذي يجعل الدلتا تفقد ماءها وتراثها ومحاصيلها التاريخية.
أبين تستحق أن تُدار مواردها بحكمة…
أبين تستحق أن تعود كما كانت… أرض الخير وسلة الجنوب الغذائية.
*في الختام* ..
اسمحوا لي أن اسرد لكم قصة احد المزارعين اسمه محبوط العمل ...
في قرية من قرى دلتا أبين كان هناك مزارع بسيط اسمه محبوط العمل
لديه أرض زراعيه صغيرة ورثها عن والده. وبعد أن رأى أرباح الموز لدى بعض جيرانه، قرر أن يخوض التجربة.
استدان المال، وحفر بئراً، واشترى الشتلات، وبدأ العمل.
في السنة الأولى، كان كل شيء يبدو مبشرًا…
لكن مع دخول موسم الجفاف، بدأت البئر تُضعف، وتقل المياه يومًا بعد يوم.
فالموز لا يتحمل الجفاف ويحتاج كميه كبيره من الماء كل 4يوم على الأقل وكل تأخير يعني أن الشجرة تُصاب وتضعف ولم تعطيك الانتاج المطلوب
حاول محبوط العمل أن يستمر فرفع ساعات تشغيل الغطاس، وزادت فاتورة الديزل، وزادت مديونيته.
وفي منتصف الموسم الثاني، جفّت البئر تمامًا.
مات نصف المزرعة عطشًا، وبقية الاشجار ضعفت ولم تُثمر.
اضطر محبوط العمل لبيع جزء من أرضه ليسدد الديون، ثم باع الغطاس وخرج من تجربة كادت تُخرجه من الزراعة نهائيًا.
ولا ننسى ما حصل في الاعوام الماضيه 2011-2015حينما ترك المزارعين مزارعهم وهجروها وجفت بسبب الحروب وسبب انعدام مادة الديزل والذي تسبب ذالك في إتلاف بساتين الموز بشكل كبير جدا
فالحليم تكفيه الإشارة.
عبدالقادر السميطي
دلتا أبين