في كلمةٍ ارتجالية للرئيس عيدروس الزبيدي، أثناء حديثه عن حدود دولة الجنوب العربي مع سلطنة عُمان، أشار إلى أن هذه الحدود تمتد من البحر الأحمر إلى صرفيت. وصرفيت المقصودة هنا هي منطقة يمنية حدودية مع عُمان، وليست صرفيت الواقعة داخل الأراضي العُمانية ،ورغم وضوح هذه الحقيقة الجغرافية، فوجئنا مؤخرًا بأصواتٍ ادّعت الغيرة على الوطن، فاندفعت إلى مهاجمة تصريح الزبيدي دون تمحيص أو معرفة، متجاهلة أن اسم “صرفيت” يُطلق على منطقتين متقابلتين على جانبي الحدود، إحداهما يمنية والأخرى عُمانية.
فهل هؤلاء المتربصين تحركوا بدافع المعرفة أو الحرص الحقيقي على السيادة الوطنية ؟ اشك في ذلك فالمزايدة والمتاجرة بالمشاعر الوطنية، هي ممارسة باتت معروفة ومكشوفة، يسعى البعض من خلالها إلى تسجيل مواقف إعلامية رخيصة لا أكثر. فالوطنية عندهم ليست وعيًا ولا مسؤولية، بل سلعة تُستدعى عند الحاجة وتُستثمر في لحظات الضجيج.
لقد سارع هولاء الموتورون الى إطلاق أحكام قاطعة، ورفعوا شعارات الدفاع عن التراب الوطني متناسين أن الجهل بالجغرافيا لا يصنع وطنية، والانفعال الأعمى لا يحمي الحدود ،بل إن هذا الخطاب المتسرع، القائم على سوء الفهم وسوء الظن، لا يخدم إلا تأجيج العداوات وخلق حساسيات غير مبررة مع الأشقاء والجيران في الجنوب العربي .
الأخطر من ذلك أن هذا التهجم غير المسؤول يتجاهل ما قد يترتب عليه من إساءة للعلاقات الأخوية وحسن الجوار، ويكشف في الوقت ذاته عن فراغً معرفي يحاول أصحابه تعويضه بالصراخ الإعلامي وادّعاء البطولة.ولو أن هؤلاء أشباه الكُتّاب كلّفوا أنفسهم عناء البحث والتدقيق في أسماء المناطق الحدودية، أو تحلّوا بالحد الأدنى من المسؤولية المهنية، لما وقعوا في هذا الخطأ الفادح، ولما انكشفوا على هذا النحو المحرج كتجّار وطنية، لا حماة لها.