آخر تحديث :الأحد - 07 ديسمبر 2025 - 01:31 ص

كتابات واقلام


بين صواريخ البحر ونار الداخل... الجنوب يكتب معادلة جديدة

الإثنين - 21 أبريل 2025 - الساعة 11:02 م

وضاح قحطان الحريري
بقلم: وضاح قحطان الحريري - ارشيف الكاتب


منذ انطلاق الضربات الأمريكية ضد الحوثيين تحت شعار "حماية الملاحة الدولية"، بدا واضحاً أن المشهد اليمني يتجه نحو مزيد من التعقيد لا الحل. فبينما تتساقط الصواريخ في البحر وتُستنزف الطائرات في الجو، لا تلوح في الأفق نتائج حقيقية تُغيّر موازين القوى أو توقف التصعيد. الحوثيون يواصلون عملياتهم، ويستثمرون الضربات لتعزيز خطابهم التعبوي، فيما يتكبد المواطن اليمني أثماناً باهظة.

وسط هذا الضجيج، يكتب الجنوب معادلته الخاصة. فرغم التحديات والضغوط، يُظهر الجنوب تماسكا سياسيا وشعبيا لافتا. تتجه الأنظار اليوم نحو حضرموت، حيث يُرتقب احتشاد جنوبي كبير يحمل رسائل مزدوجة: تأكيد على وحدة الصف الجنوبي، ورفض لمحاولات تفتيت القرار وفرض الوصاية المركزية من حكومة أثبتت عجزها، ورئاسة تُمعن في تجاهل المطالب الشعبية.

أما الحكومة الشرعية، فقد تحوّلت إلى عبء لا شريك في الحل. فبدلاً من تقديم معالجات حقيقية للأزمات الاقتصادية والخدمية، غرقت في صراعات النفوذ والفساد، وعجزت عن إدارة أبسط الملفات. لم تعد تملك مشروعاً سياسياً واضحاً، ولا رؤية إنقاذ وطنية، بل باتت تُدار عبر مصالح متشابكة تُراعي حسابات الخارج أكثر من الداخل. هذا الفشل المستمر فاقم الاحتقان في الجنوب، وزاد من القناعة بأن التغيير لا يمكن أن يأتي من مؤسسات مهترئة فقدت الثقة والشرعية.

سياسة الرئيس رشاد العليمي، التي تقوم على توزيع المناصب وشراء الولاءات بدلاً من معالجة جذور الأزمة، تُقرأ في الشارع الجنوبي كسياسة "هدم ناعم"، تهدف لإضعاف القوى الوطنية الجنوبية وتهميشها سياسيًا واقتصاديًا. ومع تدهور الوضع المعيشي، وتراجع الخدمات، يزداد الضغط الشعبي على القيادة الجنوبية لاتخاذ مواقف أكثر حسمًا تجاه هذه الحكومة العاجزة.

في المقابل، يبرز الجنوب بمشروعه الواضح لاستعادة الدولة. لا يطرح نفسه كضحية، بل كقوة تسعى لبناء مؤسسات مستقلة، تملك رؤية سياسية ودبلوماسية منفتحة، وتشكل بيئة آمنة للملاحة الدولية والمنظمات الإنسانية.

إن ما يجري في حضرموت وما يُحضّر له في عموم الجنوب ليس مجرد حراك شعبي، بل تحوّل استراتيجي في وعي الناس وموقفهم من شكل الدولة القادمة. الجنوب يطالب اليوم بموقع أصيل في أي تسوية سياسية، لا كملحق ولا تابع، بل كصانع قرار يمتلك شرعية الشارع والميدان.

وفيما تتقاذف القوى الكبرى الصراع، يبقى الجنوب رقماً صعباً، ومعادلة جديدة تُكتب بالعقل والمنطق، لا بالشعارات الفارغة. إعادة صياغة مستقبل اليمن لن تتم دون الاعتراف بالحق الجنوبي، وكل ما عدا ذلك… مجرد صواريخ بلا جدوى.