آخر تحديث :الإثنين - 15 ديسمبر 2025 - 10:21 م

كتابات واقلام


سلطانهم البركاني تحت رحمة المكان بلا علم ولا هم يرفرفون

الإثنين - 15 ديسمبر 2025 - الساعة 07:50 م

علي سيقلي
بقلم: علي سيقلي - ارشيف الكاتب



علي محمد سيقلي

في السياسة، لا تُقرأ المشاهد بسطحها، بل بما يُخفى أكثر مما يُقال. فالمكان يتكلم، والجلوس يفضح، والراية حين تغيب تصرخ أعلى من الخطب. وما جرى مؤخرًا ليس لقاءً عابرًا، ولا جلسة عتاب سياسي، بل مشهدٌ مُحكم الصياغة، محسوب التوقيت، ومشحون برسائل تتجاوز الشخص إلى الفكرة، وتتجاوز الكلمة إلى الكيان.

رئيس مجلس نواب لدولة اسمها اليمن، يُستدعى إلى أرض جنوبية، ويُجلس وحيدًا، ويُسأل علنًا عمّا نطق به لسانه، أمام قيادات جنوبية خالصة، دون حضور أي حارس ولا صفة تحميه، ودون علم وراية الدولة التي يفترض أنه يمثلها.
هنا، لا نتحدث عن خلل بروتوكولي، بل عن تفكيك رمزي مقصود لمفهوم التمثيل السيادي.

المكان في السياسة شاهد لا ديكور. حين يتم اللقاء على أرض جنوبية، دون أي رمزية لدولة بلا رجال، فالمكان يقول قبل الكلمات:
أنت هنا ضيفًا سياسيًا لا صاحب سيادة. ليست دولة تواجه دولة، بل سلطة أمر واقع تُعيد تعريف شروط الحوار. الجنوب، بهذا المشهد، لا يفاوض، بل يُملي صيغة الحضور.

التوقيت ليس بريئًا. تصدعات ما تسمى بالشرعية، ارتباك المشهد الإقليمي، تآكل خطاب “اليمن الواحد” على الأرض، وصعود لغة جنوبية أكثر جرأة في فرض الوقائع. الاستجواب لم يكن عن تصريح عابر، بل عن مرحلة انتهت ولم يُعلن دفنها رسميًا. إنه سؤال المرحلة لا سؤال العبارة.

أن يجلس رئيس مجلس نواب وحيدًا، حقيرا، بلا ظهير، بلا وفد، بلا شركاء، فهذه ليست مصادفة. الوحدة هنا لغة. تعني أن الدولة التي يتحدث باسمها غائبة، أو عاجزة عن الحضور، أو لم يعد يُعترف بها في هذا المكان.
الكرسي الواحد قال ما لم تقله الخطب: لا حماية سيادية هنا، ولا توازن مفروض.

الراية ليست قماشًا؛ هي اعتراف، وتكافؤ، وسيادة. غيابها يعني أن النقاش لا يدور مع دولة لها أثر، بل مع خطاب. الجنوب لم يناقش اليمن ككيان، بل اختبر صلاحية من يتكلم باسمه. ومن يُسقط الراية، يسقط معها الادعاء بالتمثيل الكامل.

حين يُسأل مسؤول بهذا المستوى علنًا، وأمام من لا يعترفون بسقف خطابه، فالهدف ليس المحاسبة، بل نزع الشرعية المعنوية.
الرسالة موجهة للداخل الجنوبي قبل الخارج: من يتحدث عن الجنوب دون تفويض جنوبي سيُسأل، وعلى أرض الجنوب، وبشروط الجنوب.

غياب أي قائد شمالي لم يكن تفصيلًا. حضوره كان سيخلق توازنًا أو شراكة أو جدلًا. غيابه حوّل المشهد إلى خطاب جنوبي خالص موجّه لشخص شمالي واحد. هنا الفارق بين الحوار والاستجواب، وبين السياسة والمساءلة الرمزية

جدران قصر معاشيق قالت: نحن نملك المكان، ونحدد الصيغة، ونمنح أو نمنع الرمزية. والجسد الجالس وحده قال: الدولة التي خلفي لا تستطيع حمايتي هنا. هكذا تُقرأ السياسة حين تصمت الكلمات، ويخرس المزايدون باسمها وهم على قارعة التوسل.

ما جرى ليس إهانة شخصية، بل إعلان عملي بانتهاء مرحلة المجاملة السيادية. الجنوب لم يقل إنه ضد اليمن، بل قال إن اليمن الذي يُتحدث باسمه لا يملك سلطة هنا إلا بقبول جنوبي.
إنها إعادة تعريف للمشهد: من يمثل من؟ ومن يملك حق الحديث؟ وأين تبدأ وتنتهي الدولة حين تغيب رايتها؟

بعد هذا المشهد، لن يكون الخطاب كما كان، ولن تعود العلاقة إلى صيغتها القديمة. فحين تُستجوب الشرعية خارج ظلها، فذلك يعني أن زمن الظلال الطويلة قد انتهى إلى غير رجعة.
وقضي الأمر،،،

علي سيقلي
الإثنين 15 ديسمبر 2025م